المشركين، فأصابهما من المطر الذي ذكر الله فيه ظلمات ورعد وبرق، كلما أصابهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما فإذا لمع البرق مشيا في ضوئه، وإذا لم يلمع لم يبصرا شيئاً، فقاما مكانهما فجعلا يقولان: يا ليتنا لو أصبحنا فنأتي محمداً صلى الله عليه وسلم فنضع أيدينا في يده، فأصبحا فأتياه فأسلما وحسن إسلامهما، فضرب الله في شأن هذين المنافقين الخارجين مثلاً للمنافقين الذين كانوا بالمدينة، ثم قال تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ، قال بعضهم بسمعهم الظاهر الذي في الرأس وأبصارهم التي في الأعين، كما ذهب بسمع قلوبهم، وأبصار قلوبهم عقوبة لهم. قيل: معناه، وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَهُمْ صماً وعمياً في الحقيقة، كما جعلهم صماً وعمياً في الحكم. قد قيل: معناه، وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَهُمْ صماً وعمياً في الآخرة، كما جعلهم في الدنيا. وروي في إحدى الروايتين، عن ابن عباس أنه قال: هذا من المكتوم الذي لا يفسر. ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ من العقوبة وغيرها.
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ، أي أطيعوا ربكم ويقال: وحّدوا ربكم. وهذه الآية عامة، وقد تكون كلمة يا أَيُّهَا النَّاسُ خاصة لأهل مكة وقد تكون عامة لجميع الخلق، فهاهنا يا أَيُّهَا النَّاسُ لجميع الخلق. يقول للكفار: وحدوا ربكم، ويقول للعصاة: أطيعوا ربكم، ويقول للمنافقين: أخلصوا بالتوحيد معرفة ربكم، ويقول للمطيعين: اثبتوا على طاعة ربكم.
واللفظ يحتمل هذه الوجوه كلها، وهو من جوامع الكلم. واعلم أن النداء في القرآن على ست مراتب: نداء مدح، ونداء ذم، ونداء تنبيه، ونداء إضافة، ونداء نسبة، ونداء تسمية. فأما نداء المدح فمثل قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ يا أَيُّهَا الرُّسُلُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. ونداء الذم مثل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا. ونداء التنبيه مثل قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ يا أَيُّهَا النَّاسُ. ونداء الإضافة مثل قوله تعالى: يا عِبادِيَ
. ونداء النسبة مثل قوله: يا بَنِي آدَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ ونداء التسمية مثل قوله تعالى: يا داوُدُ يا إِبْراهِيمُ فهاهنا ذكر نداء التنبيه فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ، أخبر بالنداء أنه يريد أن يأمر أمراً أو ينهى عن شيء. ثم بيّن الأمر فقال: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ، يعني وحدوا وأطيعوا الَّذِي خَلَقَكُمْ، معناه: أطيعوا ربكم الذي هو خالقكم، فخلقكم ولم تكونوا شيئاً وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، يعني وخلق الذين من قبلكم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ المعصية وتنجون من العقوبة.
[سورة البقرة (2) : آية 22]
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)