فنزلت وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ أي يبادرون في الكفر ولا يصدقونك إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً أي لا ينقصوا من ملك الله شيئاً وسلطانه شيئاً بكفرهم وهذا كما روى أبو ذر الغفاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَالَ الله لو أن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم كانوا على أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذلك فِي مُلْكِ الله شَيْئاً وَلَوْ كَانَ أوَّلُكُمْ وَآخِرُكُمْ وَجِنُّكُمْ وَإنْسُكُمْ كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ، مَا نَقَصَ مِنْ مُلْكِ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ» .
ثم قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ أي نصيباً في الجنة وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ في الآخرة. قرأ نافع: ولا يُحْزِنْك بضم الياء وكسر الزاي، وكذلك ما كان نحو هذا في جميع القرآن إلا في قوله تعالى: لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ [الأنبياء: 103] وقرأ الباقون بنصب الياء وضم الزاي، وهما لغتان وتفسيرهما واحد.
إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (177)
ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا يعني اختاروا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يقول لن ينقصوا من ملك الله شيئاً، وإنما أضروا بأنفسهم حيث استوجبوا لأنفسهم العذاب، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة.
[سورة آل عمران (3) : آية 178]
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (178)
قوله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ يعني: لا يظن الكفار أن الذي نملي لهم ونمهلهم خير لهم، ويقال: ما نعطيهم من المال والولد لا يظنن أن ذلك خير لهم في الآخرة، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ في الآخرة إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ أي نعطي لهم المال والولد، يهانون به من العذاب. ويقال: إنما نملي لهم، أي بما أصابوا من الظفر يوم أُحد لم يكن ذلك خيراً لأنفسهم، وإنما كان ليزدادوا عقوبة. ويقال: إنما نملي لهم ونؤخر العذاب عنهم ليزدادوا إثماً، أي جرأة على المعاصي. وإنما كان ذلك مجازاة لكفرهم وخبث نياتهم. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ما من بر وفاجر إلا والموت خير له، لأنه إن كان براً فقد قال الله تعالى: وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ [آل عمران: 198] وإن كان فاجراً فقد قال الله تعالى: إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً قرأ ابن عامر وعاصم: لا يَحْسَبَنَّ بالياء ونصب السين. قرأ الباقون بالتاء وكسر السين، وكذلك الذي بعد هذا.