قال الكلبي: يعني تخرج البيضة، وهي ميتة من الطير، وهو حي، وتخرج الطير الحي من البيضة الميتة، وتخرج النطفة، وهي ميتة من الإنسان الحي، وتخرج الإنسان الحي من النطفة الميتة، وتخرج الحبة من السنبلة إلى آخره. وقال الحسن البصري: يخرج المؤمن من الكافر، ويخرج الكافر من المؤمن. ويقال: يخرج الجاهل من العالم، ويخرج العالم من الجاهل. وروى معمر عن الزهري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم دخل على بعض نسائه، فإذا بامرأة حسنة الهيئة فقال: «مَنْ هذه؟» قالوا إحدى خالاتك. قال: «وَمَنْ هِيَ؟» قالوا هي خالدة بنت الأَسْوَد بن عَبْد يغوث. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «سُبْحَانَ الَّذِي يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ» ، وكانت امرأة صالحة، وكان أبوها كافراً. ثم قال تعالى: وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ يعني من غير أن تحاسب في الإعطاء، فكأنه يقول: ليس فوقه من يحاسبه في الإعطاء. كما قال تعالى: لاَّ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ [الأنبياء: 23] ويقال: من غير أن يحاسبه في الإعطاء. ويقال:
بغير تقتير. ويقال: بغير حساب كما قال وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يحتسب.
لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)
ثم قال تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ قال ابن عباس في رواية أبي صالح: نزلت في شأن المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه من أهل النفاق، وكانوا قد أظهروا الإيمان، وكانوا يتولون اليهود في العون والنصرة، ويأتونهم بالأخبار، ويرجون أن يكون لهم ظفر على محمد صلّى الله عليه وسلم وأصحابه وقال مقاتل: نزلت في شأن حاطب بن أبي بلتعة وغيره، ممن كانوا يظهرون المودة لكفار مكة، فنهاهم الله تعالى عن ذلك فقال: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ، فهذا نهي بلفظ المغايبة، يعني لا يتخذونهم أولياء في العون والنصرة مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ يعني ليس في ولاية الله من شيء. ويقال: ليس في دين الله مِن شيء، لأن ولي الكافر يكون راضياً بكفره، ومن كان راضياً بكفره، فهو كافر مثله كقوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 51] .
ثم استثنى لما علم أن بعض المسلمين، ربما يُبْتَلون في أيدي الكفار فقال تعالى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً. قرأ يعقوب الحضرمي تقية، وقراءة العامة تقاة، ومعناهما واحد، يعني يرضيهم بلسانه، وقلبه مطمئن الإيمان، فلا إثم عليه كما قال الله تعالى في آية أخرى إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النحل: 106] قرأ حمزة والكسائي تُقاةً بالإمالة. وقرأ الباقون بتفخيم الألف ثم قال: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ يعني يخوّفكم الله بعقوبته، أي الذي يتخذ الكافر وليّاً بغير ضرورة، وهذا وعيد لهم. ويقال: إذا كان الوعيد مبهماً، فهو أشد ثم قال تعالى: وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ أي مرجعكم في الآخرة، فيجازيكم بأعمالكم.