فذلك قوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ يعني: اقرأ بعون الله ووحيه إليك، ويقال معناه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ كقوله: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ يعني: اذكر ربك الذي خلق الخلائق.
ثم قال عز وجل: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ يعني: ابن آدم من دم عبيط، وقال في آية أخرى: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (20) [المرسلات: 20] وقال في آية أخرى: خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ [الحج: 5] وهذه الآيات يصدّق بعضها بعضاً، لأن أول الخلق مِّن تُرَابٍ، ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثم من مضغة. كما بين الجملة في موضع آخر. ثم قال عز وجل: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ يعني: اقرأ يا محمد- صلّى الله عليه وسلم- وربك يعينك ويفهمك، وإن كنت غير قارئ الْأَكْرَمُ يعني:
ربك المتجاوز عن جهل العباد، ويقال: اقْرَأْ وقد تم الكلام، ثم استأنف فقال وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ يعني: الكريم ويقال الأكرم يعني: المكرم الذي يكرم من يشاء بالإسلام.
ثم قال: الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ علم الكتابة، والخط بالقلم عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ يعني: علم آدم عليه السلام أسماء كل شيء، يعني: ألهمه ويقال عَلَّمَ الْإِنْسانَ يعني:
محمدا صلّى الله عليه وسلم ما لَمْ يَعْلَمْ يعني: القرآن كقوله مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [الشورى: 52] ويقال: علم الإنسان ما لم يعلم، يعني: علم بني آدم ما لم يعلموا كقوله: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً [النحل: 78] .
كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (7) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى (10)
أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (14)
ثم قال عز وجل: كَلَّا يعني: حقاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى يعني: الكافر ليعصي الله.
ويقال: يرفع منزلة نفسه أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى يعني: إن رأى نفسه مستغنياً عن الله تعالى، مثل أبي جهل وأصحابه، ومثل فرعون حيث ادعى الربوبية. قال أبو الليث رحمه الله: حدثنا أبو جعفر بن عوف، عن الأعمش، عن القاسم قال: قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه:
منهومان لا يشبعان، طالب العلم وطالب الدنيا، ولا يستويان أما طالب العلم، فيزداد رضا الله وأما طالب الدنيا، فيزداد في الطغيان ثم قال: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى.
ثم قال: إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى
يعني: المرجع إلى الله تعالى يوم القيامة، ويقال: معناه رجوع الخلائق كلهم بعد الموت إلى الله تعالى، فيحاسبون ويجازون، فريق في الجنة، وفريق فى السعير. قوله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم، كان إذا صلى في المسجد، رفع صوته بالقراءة، فلغطوا ورموه بالحجارة، فخفض صوته في الصلاتين