ويقال: إنهم استحلوا الربا وقالوا: الربا والبيع في الحل سواء، فالله تعالى أبطل قولهم فقال تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ ولم يقل جاءته، لأن التأنيث ليس بحقيقي، ويجوز أن يذكر ويؤنث، لأنه انصرف إلى المعنى، يعني فمن جاءه نهي مِنْ رَبِّهِ في القرآن في بيان تحريم الربا فَانْتَهى عن أكل الربا فَلَهُ مَا سَلَفَ يعني ليس عليه إثم فيما مضى قبل النهي، لأن الحجة لم تقم عليهم، ولم يعلموا بحرمته، وأما اليوم فمن تاب عن الربا، فلا بدَّ له من أن يرد الفضل، ولا يكون له ما سلف، لأن حرمة الربا ظاهرة بين المسلمين، لأن كتاب الله تعالى فيهم.

ثم قال عز وجل: وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ في المستأنف إن شاء عصمه، وإن شاء لم يعصمه وَمَنْ عادَ إلى استحلال الرِّبا فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ قال ابن مسعود آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهداه ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.

وقال عليه الصلاة والسلام: «سَيَأْتِي عَلَى الَّناسِ زَمَانٌ لا يبقى أحد إلا أَكَلَ الرِّبا، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلِ الرِّبا أَصَابَهُ مِنْ غُبَارِهِ» . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الرِّبا بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَاباً، أدْنَاها كَإِتْيَانِ الرَّجُلِ أُمَّهُ» ، يعني كالزاني بأمه.

ثم قال تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا أي يبطله، ويذهب ببركته وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ يقول:

يقبلها ويضاعفها. ويقال: إن مال آكل الربا لا يخلو من أحد أوجه ثلاثة، إما أن يذهب عنه أم عن ولده، أو ينفقه فيما لا يصلح وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ يعني جاحد بتحريم الرِّبا أَثِيمٍ يعني عاص بأكله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعني الطاعات فيما بينهم وبين ربهم وَأَقامُوا الصَّلاةَ يعني الصلوات الخمس وَآتَوُا الزَّكاةَ يعني أعطوا الزَّكاة المفروضة لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وقد ذكرناه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ أي أطيعوا الله ولا تعصوه فيما نهاكم من أمر الرِّبا وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي مصدقين بتحريمه. وقال أهل اللغة: إن الحقيقة على ثلاثة أوجه: إن بمعنى ما، كقوله: إِنِ الْكافِرُونَ إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً [يس: 29] . وإن بمعنى لقد، كقوله إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا [الإسراء: 108] . وتَاللَّهِ إِنْ كُنَّا، قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ [الصافات: 56] ، إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ [يونس: 29] ، وإن بمعنى إذ كقوله: وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139] ، وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا [البقرة: 278] نزلت هذه الآية في نفر من بني ثقيف، وفي بني المغيرة من قريش، وكانت ثقيف يربون لبني المغيرة في الجاهلية، وكانوا أربعة أخوة منهم مسعود وعبد ياليل وأخواهما يربون لبني المغيرة، فلما ظهر النبيّ صلّى الله عليه وسلم على أهل مكة، وضع الرِّبا كله، وكان أهل الطائف قد صالحوا على أن لهم رباهم على الناس يأخذونه، وما كان عليهم من رباً للناس، فهو موضوع عنهم لا يؤخذ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015