يعني: لا يخافون البعث بعد الموت. ويقال: كانوا لا يرجون ثواب الآخرة، أنهم كانوا ينكرون البعث. قوله تعالى: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً يعني: جحدوا بمحمد صلّى الله عليه وسلم، وبالقرآن كذاباً يعني: تكذيباً وجحوداً. ثم قال: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً يعني: أثبتناه في اللوح المحفوظ فَذُوقُوا يعني: يقال لهم: فذوقوا العذاب فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً.
ثم بين حال المؤمنين فقال عز وجل: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً يعني: نجاة من النار إلى الجنة. ويقال: المفاز بمعنى الفوز. يعني: موضع النجاة حَدائِقَ وَأَعْناباً يعني: لهم حدائق في الجنة، والحدائق ما أحيط بالجدار، وفيه من النخيل والثمار، وأعناباً يعني: كروماً وَكَواعِبَ أَتْراباً والكواعب، الجواري مفلكات الثديين أَتْراباً مستويات في الميلاد والسن. وقال أهل اللغة: الكواعب النساء، قد كعب ثديهن وَكَأْساً دِهاقاً كل إناء فيه شراب فهو كأس، فإذا لم يكن فيه شراب فليس بكأس، كما يقال للمائدة إذا كان عليها طعام مائدة، وإذا لم يكن فيها طعام خوان يقال دِهاقاً يعني: سائغاً. وقال الكلبي: وَكَأْساً دِهاقاً يعني: إناء فيه خمر ملآن متتابعاً. وهذا قول عطية وسعيد، والعباس بن عبد المطلب، - رضي الله عنهم-، ومجاهد، وإبراهيم النخعي.
لاَّ يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً يعني: حلفاً وباطلاً. ويقال: ولا يسمعون في مشربها فحشاً خبثا وَلا كِذَّاباً يعني: تكذيباً في شربها. يعني: لا يكذبون فيها. قرأ الكسائي كذاباً بالتخفيف، يعني: لا يكذب بعضهم بعضاً. وقرأ الباقون بالتشديد فهو من التكذيب ثم قال:
جَزاءً مِنْ رَبِّكَ يعني: ثواباً من ربك عَطاءً حِساباً يعني: كثيراً وقال مجاهد: عطاء من الله، حساباً بما عملوا. وقال أهل اللغة: حساباً أي: كثيراً. كما يقال: أعطينا فلاناً عطاء حساباً، أي: كثيراً. وأصله أن يعطيه حتى يقول حسبي. وقال الزجاج: حساباً. أي: ما يكفيهم، يعني: فيه ما يشتهون.
ثم قال: رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني: خالق السموات والأرض. قرأ ابن كثير، ونافع وأبو عمرو، رب السموات والأرض بضم الباء والباقون بالكسر فمن قرأ بالضم فمعناه هو رب السموات والأرض ومن قرأ بالكسر فهو على معنى الصفة أي: جزاء من ربك رب السموات والأرض وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ يعني: الرحمن هو رب السموات والأرض لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً يعني: لا يملكون الكلام بالشفاعة، إلا بإذنه يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ قال الضحاك: هو جبريل. وقال قتادة عن ابن عباس، وخلق على صورة بني آدم. ويقال: هو خلق واحد، يقوم صفاً واحداً وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا يعني: صفوفاً. ويقال: الروح لا يعلمه إلا الله، كما قال قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: 85] .
ثم قال عز وجل: لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ يعني: لا يتكلمون بالشفاعة،