وهي ثمان وعشرون آية مكية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (4)
قوله تعالى قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ يعني: قل يا محمد أوحى الله إلي، وأخبرني الله تعالى في القرآن. أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ، وهم تسعة من أهل نصيبين، من أهل اليمن، من أشرافهم. والنفر ما بين الثلاثة إلى العشرة. وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين السماء أي: بين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فقالوا: ما هذا إلا لشيء حدث فضربوا مشارق الأرض ومغاربها، يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء. فوجدوا النفر الذين خرجوا نحو تهامة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم بنخلة، وهو يصلي مع أصحابه صلاة الفجر، فاستمعوا منه، فقالوا: هذا والله الذي حال بيننا وبين خبر السماء، فرجعوا إلى قومهم فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ، فأنزل الله تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ يعني: طائفة وجماعة من الجن، فقالوا: إِنَّا سَمِعْنا يعني: قالوا بعد ما رجعوا إلى قومهم. إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يعني: عزيزاً شريفاً كريماً، ويقال: عزيزاً لا يوجد مثله.
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ يعني: يدعو إلى الهدى، وهو الإسلام. ويقال: إلى الصواب، والتوحيد، والأمر والنهي. ويقال: يدل على الحق. فَآمَنَّا بِهِ يعني: صدقنا بالقرآن. ويقال: آمنا بالله تعالى. وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً يعني: إبليس، يعني: لن نشرك بعبادته أحداً من خلقه.
ثم قال عز وجل: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا أي: ارتفع عظمة ربنا ويقال: ارتفع ذكره، ويقال: ارتفع ملكه وسلطانه. مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً يعني: لم يتخذ زوجة ولا ولداً،