فقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ يعني: يخافون الله تعالى ويخافون عذابه، الذي هو بِالْغَيْبِ، فهو عذاب يوم القيامة. لَهُمْ مَغْفِرَةٌ يعني: مغفرة لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ يعني: ثواباً عظيماً في الجنة ثم قال: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ. اللفظ لفظ الأمر، والمراد به الخبر يعني: إن أخفيتم كلامكم في أمر محمد صلّى الله عليه وسلم أو جهرتم به. إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ يعني: بما في القلوب من الخير والشر، وذلك أن جماعة من الكفار كانوا يتشاورون فيما بينهم، فقال بعضهم لبعض: لا تجهروا بأصواتكم، فإن رب محمد يسمع فيخبره، قال الله تعالى للنبي صلّى الله عليه وسلم: قل لهم يا محمد: أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ فإنه يعلم به.
ثم أخبر بما هو أخفى من هاتين الحالتين، فقال: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ يعني:
فكيف لا يعلم قول السر. ثم قال عز وجل: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ يعني: ألا يعلم السر، من خلق السر يعني: هو خلق السر في قلوب العباد، فكيف لا يعلم بما في قلوب العباد؟ ثم قال: وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ يعني: لطف علمه بكل شيء، يعني: يرى أثر كل شيء بما في القلوب من الخير والشر ويقال: لَطِيفٌ يرى أثر النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، خَبِيرٌ يعني: عالم بأفعال العباد وأقوالهم.
ثم ذكر نعمه على خلقه، ليعرفوا نعمته، فيشكروه ويوحدوه، فقال: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا يعني: خلق لكم الأرض ذلولاً، ومدها وذللها وجعلها لينة، لكي تزرعوا فيها، وتنتفعوا منها بألوان المنافع، فَامْشُوا فِي مَناكِبِها يعني: لكي تمشوا في أطرافها ونواحيها وجبالها. وهذا خبر بلفظ الأمر وقال القتبي: فَامْشُوا فِي مَناكِبِها يعني: جوانبها.
ومنكبا الرجل: جانباه. وقال قتادة: مَناكِبِها: جبالها. قال: وكان لبشر بن كعب سرية، فقال لها: إن أخبرتيني ما مناكب الأرض فأنت حرة لوجه الله؟ فقالت: مناكبها: جبالها، فصارت حرة. فأراد أن يتزوجها، فسأل أبو الدرداء، فقال له: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
ويقال: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا، أي: سهل لكم السلوك فَامْشُوا فِي مَناكِبِها، أي: تمشون فيها. وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ يعني: تأكلون من رزق الله تعالى وتشكرونه.
وَإِلَيْهِ النُّشُورُ يعني: إلى الله تبعثون من قبوركم. ويقال: معناه: هو الذي ذلل لكم الأرض، قادر على أن يبعثكم، لأنه ذكر أولاً خلق السماء، ثم ذكر خلق الأرض، ثم ذكر النشور.
ثم خوفهم، فقال عز وجل: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ؟ قال الكلبي، ومقاتل: يعني:
أمنتم عقوبة من في السماء؟ يعني: الرب تعالى إن عصيتموه. ويقال: هذا على الاختصار ويقال: أمنتم عقوبة من هو جار حكمه في السماء. قرأ أبو عمرو، ونافع أَمِنتُمْ بالمد، والباقون بغير مد بهمزتين، ومعناهما واحد وهو الاستفهام، والمراد به التوبيخ. وقرأ ابن كثير