الْحَمِيدُ
يعني: غنيٌّ عن نفقتهم، وعن إيمانهم، الْحَمِيدُ في فعاله. قرأ حمزة، والكسائي، وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ بنصب الخاء، والباء. وقرأ الباقون: بضم الباء، وإسكان الخاء، ومعناهما واحد. قرأ نافع، وابن عامر: فَإِنَّ الله الغنى الحميد الذي لا غني مثله. والباقون:
فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ بإثبات هو.
ثم قال: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ يعني: بالأمر، والنهي، والحلال، والحرام، وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ يعني: أنزلنا عليهم الكتاب ليعلموا أمتهم وَالْمِيزانَ يعني: العدل.
ويقال: هو الميزان بعينه، أنزل على عهد نوح عليه السلام لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ يعني: لكي يقوم الناس بِالْقِسْطِ يعني: بالعدل وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ يعني: وجعلنا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ يعني: فيه قوة شديدة في الحرب. وعن عكرمة أنه قال: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ يعني:
أنزل الله تعالى الحديد لآدم عليه السلام، العلاة، والمطرقة، والكلبتين فيه بأس شديد.
ثم قال عز وجل: وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ يعني: في الحديد مَنافِعُ لِلنَّاسِ مثل السكين، والفأس، والإبرة. يعني: من معايشهم. وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ يعني: ولكن يعلم الله من ينصره على عدوه وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ بقتل أعداءه كقوله: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ويقال:
لكي يرى الله من استعمل هذا السلام في طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلم بالغيب. يعني:
يصدق بالقلب إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ في أمره عَزِيزٌ في ملكه.
ثم قال عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ يعني: بعثناهما إلى قومهما، وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا يعني: في نسليهما النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وكان فيهم الأنبياء مثل موسى، وهارون، وداود، ويونس، وسليمان، وصالح، ونوح، وإبراهيم عليهم السلام فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ يعني: كثير من ذريتهم تاركون للكتاب.
قوله عز وجل: ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ يعني: وصلنا، وأَتْبَعْنَا على آثارهم بِرُسُلِنا واحداً بعد واحد وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ يعني: وأرسلنا على آثارهم بعيسى ابن مريم وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ يعني: أعطيناه الإنجيل وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ يعني: الذين آمنوا به، وصدقوه، واتبعوا دينه، رَأْفَةً وَرَحْمَةً يعني: المودة. والمتوادين الذين يود بعضهم بعضاً. ويقال: الرأفة على أهل دينهم، يرحم بعضهم بعضاً، وهم الذين كانوا على دين عيسى، لم يتهوَّدوا، ولم يتنصروا.
ثم استأنف الكلام فقال: وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها يعني: ابتدعوا رهبانية مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ يعني: لم تكتب عليهم الرهبانية إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ وذلك أنه لما كثر المشركون، خرج المسلمون منهم، فهربوا، واعتزلوا في الغيران، واتبعوا الصوامع، فطال عليهم الأمد، ورجع بعضهم عن دين عيسى بن مريم، وابتدعوا النصرانية. قال الله تعالى: