ثم قال عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ يعني: كالأخوة في التعاون لأنهم على دين واحد. كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «المُؤْمِنَ للمُؤْمِن كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعْضاً» وَرُوي عنه أنه قال:

«المُؤْمِنُونَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ تَدَاعَى سَائِر الأَعْضَاءِ إِلَى الحُمَّى وَالسَّهَرِ» .

ثم قال: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ يعني: الفريقين من المؤمنين مثل الأوس والخزرج.

فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ قرأ ابن سيرين: إِخْوَانِكُم بالنون. وقرأ يعقوب الحضرمي: بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ بالتاء. يعني: جمع الأخ. وقراءة العامة أَخَوَيْكُمْ بالياء على تثنية الأخ. يعني: بين كل أخوين.

ثم قال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ يعني: اخشوا الله عز وجل، ولا تعصوه، لكي ترحموا، فلا تعذبوا.

قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ يعني: لا يستهزئ الرجل من أخيه. وقال بعضهم: الآية نزلت في ثابت بن قيس، حيث عيّر الذي لم يوسع له في المكان، وقال بعضهم: الآية نزلت في الذين ينادونه من وراء الحجرات. استهزءوا من ضعفاء المسلمين، عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ يعني: أفضل منهم، وأكرم على الله تعالى وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ يعني: لا تستهزئ امرأة من امرأة، وذلك أن عائشة رضي الله عنها قالت: إن أم سلمة جميلة لولا أنها قصيرة عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ يعني: أفضل. ثم صارت الآية عامة في الرجال والنساء، فلا يجوز أحد أن يسخر من صاحبه، أو من أحد من خلق الله تعالى. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب خشيت أن أكون مثله.

ثم قال: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ يعني: لا يطعن بعضكم بعضاً. وقال القتبي: ولا تغتابوا إخوانكم من المسلمين لأنهم كأنفسكم كما قال: ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً [النور: 12] . يعني: بأمثالهم.

ثم قال: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ يعني: لا تسموا باللقب. وقال محمد بن كعب القرظي: هو الرجل يكون على دين من الأديان، فيسلم، فيدعونه بدينه الأول: يا يهودي، ويا نصراني. ويقال: لا تعيروا المسلم بالملة التي كان عليها، ولا تسموه بغير دين الإسلام. وقال أهل اللغة: الألقاب والأنباز واحد. ومنه قيل في الحديث: «قومٌ نَبْزُهُمُ الرَّافِضَةُ» أي: لقبهم وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ أي: لا تداعوا بها. ويقال: هو اللقب الذي يكرهه الرجل. يعني: أنه ينبغي للمؤمن أن يخاطب أخاه بأحب الأسماء إليه. وقرأ بعضهم وَلا تَلْمِزُوا بضم الميم.

وقراءة العامة: بالكسر، وهما لغتان. يقال: لمز فلان فلاناً، يلمز ويلمزه إذا عابه. وذكر في التفسير أن الآية نزلت في مالك بن أبي مالك، وعبد الله بن أبي حدرد، وذلك أن أبا مالك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015