فقالوا لا نكسر سبتنا. فقد كسر قوم من بني إسرائيل سبتهم، فمسخهم الله تعالى قردة وخنازير. قال: فإن أبيتم هذا. فإذا كان يوم الأحد فاقتلوا أبناءكم ونساءكم. ثم انزلوا إليهم بأسيافكم فقاتلوهم حتى تموتوا كراماً. فقالوا: لا نفعل. فلبثوا خمسة عشر ليلة محاصرين.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «عَلَى حُكْمِ مَنْ تَنْزِلُونَ؟» قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ. فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ، وكان جريحاً قد رمته بني قريظة، فأصاب أكحله، فدعا الله تعالى أن لا يميته حتى يشفي صدره من بني قريظة. فأتي به على حمار، فتبعه قوم كان ميلهم إلى بني قريظة، وكانوا يقولون له: يا أبا عمرو أحسن في حلفائك ومواليك، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحب البقية وقد نصروك يوم بعاث، ويوم حدائق، فلم يكلمهم حتى نظر إلى بيوت بني قريظة. فقال سعد: قد آن لي أن لا أخاف في الله لومة لائم. فعرفوا أنه سوف يقتلهم. فرجعوا عنه. فلما دنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: لمن حوله: «قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ فَأَنْزِلُوهُ» . فقام إليه الأنصار، فأنزلوه. فقال: «احْكُمْ فِيهِمْ يَا أبا عَمْرٍو» . فقال سعد لليهود: أترضون بحكمي؟
قالوا: نعم. فقال: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه؟ قالوا: نعم. فالتفت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه، وهاب أن يخاطب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: وَعَلَيَّ مِنْ هَاهُنَا مثل ذلك، وإنه ليغض بصره عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «نَعَمْ نَعَمْ وَعَلَيْنَا» . فقال لبني قريظة: انزلوا فلما نزلوا. قال: احكم فيهم يا رسول الله إن تقتل مقاتليهم، وتسبي ذراريهم، وتقسم أموالهم.
فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ مَنْ فَوْقَ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ» . فأتى حيي بن أخطب مأسوراً في حلة. فجاءه رجل من الأنصار، فنزع رداءه، فبقي في إزاره، فجعل يمزق إزاره لكي لا يلبسه أحد وهو يقول: لا بأس بأمر الله. فلما جاء بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «ألَمْ يُمَكِنِّي الله مِنْكَ يَا عَدُوَّ الله» ؟ فقال: بلى وما ألوم نفسي فيك قد التمست العز في مظانه، وقلقلت في كل مقلقل، فأبى الله إلا أن يمكّنك مني. فأمر بضرب عنقه.
ثم جاءوا بعزاز بن سموأل فقال: «ألم يمكني الله منك» ؟ فقال: بلى يا أبا القاسم، فضرب عنقه. ثم قال لسعد: «عَلَيْكَ بِمَنْ بَقِيَ» . وقال: «لاَ تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرَّيْنِ حَرَّ الهَاجِرَةِ، وَحَرَّ السَّيْف» . فحسبهم كذلك في دار الحارث، - وفي بعض الروايات- ببيت خراب» .
ثم أخرجهم رسلاً فقتلهم على الولاء والترتيب. فقال بعضهم لبعض: ما تراهم يصنعون بنا؟ فقال واحد: ألا تعقلون أنهم يقتلون؟ ألا ترون أن الداعي لا يسكت؟ ومن ذهب لا يرجع؟ فقتلوا كلهم ولم يسلم أحد منهم.
كان فيهم رجل يقال له: زبير بن باطا. فكلم ثابت بن قيس بن شماس رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أمره فقال: إن الزبير بن باطا له عندي يد، وقد أعانني يوم بعاث فهبهُ لِي يا رسول الله حتى أعتقه. فقال- عليه السلام-: «هُوَ لَكَ» . فجاء إليه. فقال: يا أَبا عبد الرحمن أتعرفني؟ قال: