ثم قال: وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ في هذا تفضيل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لأنه قد ذكر جملة الأنبياء- عليهم السلام- ثم خصّه بالذكر قبلهم، وكان آخرهم خروجاً. ثم ذكر نوحاً لأنه كان أولهم.

ثم ذكر إبراهيم وموسى وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ- صلوات الله عليهم- لأن كل واحد منهم كان على أثر بعض.

فقال: وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ثم قال: وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً يعني: عهداً وثيقاً أن يعبدوا الله تعالى، ويدعوا الخلق إلى عبادة الله عز وجل، وأن يبشروا كل واحد منهم بمن بعده.

ثم قال عز وجل: لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ يعني: أخذ عليهم الميثاق لكي يسأل الصادقين عن صدقهم. يعني: يسأل المرسلين عن تبليغ الرسالة. ويسأل الوفيّين عن وفائهم.

وروي في الخبر: أنه يسأل القلم يوم القيامة. فيقول له: ما فعلت بأمانتي؟ فيقول: يا رب سلمتها إلى اللوح. ثم جعل القلم يرتعد مخافة أن لا يصدقه اللوح. فيسأل اللوح بأن القلم قد أدى الأمانة، وأنه قد سلم إلى إسرافيل. فيقول لإسرافيل: ما فعلت بأمانتي التي سلمها إليك اللوح؟ فيقول: سلمتها إلى جبريل. فيقول لجبريل- عليه السلام-: ما فعلت بأمانتي. فيقول:

سلمتها إلى أنبيائك. فيسأل الأنبياء- عليهم السلام- فيقولون: قد سلمناها إلى خلقك، فذلك قوله تعالى: لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً يعني: الذين كذبوا الرسل.

قوله عز وجل:

[سورة الأحزاب (33) : آية 9]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يعني: احفظوا منة الله عليكم بالنصرة.

إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ يعني: الأحزاب. وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، صالح بني قريظة وبني النضير على أن لا يكونوا عليه، ولا معه. فنقضت بنو النضير عهودهم، وأجلاهم النبيّ صلّى الله عليه وسلم منها، وذكر قصتهم في سورة الحشر.

ثم إنّ بني قريظة جددوا العهد مع النبيّ صلّى الله عليه وسلم. ثم أنَّ حييَّ بْنَ أخْطَبَ ركب، وخرج إلى مكة. فقال لأبي سفيان بن حرب: إن قومي مع بني قريظة وهم سبعمائة وخمسون مقاتلاً.

فحثّه على الخروج إلى قتال رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ثم خرج من مكة إلى غطفان وحثهم على ذلك.

ثم خرج إلى كنانة وحثهم على ذلك. فخرج أبو سفيان مع جماعة من أهل مكة. وخرج غطفان وبنو كنانة حتى نزلوا قريباً من المدينة مع مقدار خمسة عشر ألف رجل. ويقال: ثمانية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015