[الجزء الثالث]
وهي ستون آية مكية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)
بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (6)
قول الله سبحانه وتعالى: الم غُلِبَتِ الرُّومُ يعني قهرت الروم فِي أَدْنَى الْأَرْضِ مما يلي فارس يعني أرض الأردن وفلسطين وَهُمْ يعني أهل الروم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ أهلَ فارس، وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر، ملك الروم، يدعوه إلى الإسلام، فقرأ كتابه، وقبّله ووضعه على عينيه، وختمه بخاتمه، ثم أوثقه على صدره، ثم كتب جواب كتابه: إنا نشهد أنك نبي ولكنا لا نستطيع أن نترك الدين القديم الذي اصطفى الله لعيسى، فعجب النبيّ صلّى الله عليه وسلم وقال: «قَدْ ثَبَّتَ الله مُلْكَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَى أدْنَى الأَرْضِ مِنْهَا بِفَتْحِ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى المُسْلِمِينَ» .
وكتب إلى كسرى ملك فارس فمزَّق كتابه، ورجع الرسول بعد ما أراد قتله، فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلم بذلك، فقال صلّى الله عليه وسلم: «قَد مَزَّقَ الله مُلُكهم فلا مُلكَ لَهُمْ أبَداً. إذا ماتَ كِسْرَى فلا كِسْرَى بَعْدَهُ» فلمّا ظهرت فارس على الروم اغتمَّ المسلمون لذلك، فنزل قوله تعالى: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ.
وقال في رواية الكلبي: إن مشركي قريش شتموا حين غلب المشركون أهل الكتاب، فقال لهم أبو بكر- رضي الله عنه- لم تشتمون؟ فو الله ليظهرنَّ الروم عليهم. فقال أبيُّ بن خلف: والله لا يكون ذلك أبداً فتبايعا أبو بكر وأبيّ بن خلف لتظهرن الروم على أهل فارس