ظالِمُونَ
وقال القتبي: الطوفان، المطر الشديد، وكذلك الموت إذا كثر. وقال مقاتل: الطوفان يعني: ما طغى فوق كل شيء. وقال بعض أهل اللغة: هذا الاشتقاق غير صحيح، لأنه لو كان هذا لقال: طغوان، لأنه يقال: طغى يطغو. وقال بعضهم: هذا على وجه القلب، كما يقال:
جذب وجبذ. ويقال: أصله من الطوف، يعني: سال وطاف في الأرض. وقال الزجاج:
الطوفان من كل شيء ما كان كثيراً كالقتل الذريع الكثير يسمى طوفانا.
ثم قال عز وجل: فَأَنْجَيْناهُ يعني: نوحاً عليه السلام وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ من الغرق وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ يعني: جعلنا السفينة عبرة لمن بعدهم، وقد بقيت السفينة على الجودي إلى وقت قريب من وقت خروج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكان ذلك علامة وعبرة لمن رآها، ولمن لم يرها، لأن الخبر قد بلغه. ويقال: رسم السفينة التي بقيت بين الخلق وقت نوح، وتجري في البحر علامة للعالمين.
وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (18)
قوله عز وجل: وَإِبْراهِيمَ يعني: وأرسلنا إبراهيم عطفاً على قوله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً ويقال: معناه واذكر إبراهيم إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ يعني: وحدوا الله عز وجل، وَاتَّقُوهُ يعني: اخشوه ولا تعصوه ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ يعني: التوحيد وعبادة الله عز وجل خير من عبادة الأوثان إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
قوله عز وجل: إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً يعني: أصناما وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً يعني:
تعملونها بأيديكم، ثم تقولون إنها آلهة، ويقال: تتخذونها آلهة كذباً ثم قال: إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وهي الأصنام لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً يعني: لا يقدرون أن يعطوكم مالاً، ولا يقدرون أن يرزقوكم.
ثمّ قال: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ يعني: الله عزّ وجل هو الذي يملك رزقكم، فاطلبوا الرزق من الله عز وجل: وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ أي: وحدّوه واشكروا له في النعم، فإن مصيركم إليه وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بعد الممات.
قال الله عزّ وجلّ للنبي صلّى الله عليه وسلّم: قل لأهل مكة وَإِنْ تُكَذِّبُوا بما أخبرتكم من قصة نوح وإبراهيم عليهما السلام فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ يعني: كذبوا رسلهم وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ يعني: إلا أن يبلغ الرسالة، ويبين أمر العذاب. ويقال: إلا أن يبلغ الرسالة، ويبين مراد الرسالة.