ويقال: البروج الكواكب العظام، وكل ظاهر مرتفع فهو برج، وإنما قيل لها بروج لظهورها وارتفاعها، ثم قال تعالى: وَجَعَلَ فِيها يعني: خلق فيها سِراجاً يعني: شمساً وَقَمَراً مُنِيراً يعني: منوراً مضيئاً. قرأ حمزة والكسائي سُرُجاً بلفظ الجمع، يعني:
الكواكب. وقرأ الباقون سِراجاً وبه قال أبو عبيدة: بهذا نقرأ. كقوله: وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً ولأنه قد ذكر الكواكب بقوله: بُرُوجاً.
ثم قال عز وجل: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ أي: خلق الليل والنهار خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أي خليفة يخلف كل واحد منهما صاحبه. يذهب الليل ويجيء النهار، ويذهب النهار ويجيء الليل، ويقال: خِلْفَةً يعني: مخالفاً بعضه لبعض، أحدهما أبيض، والآخر أسود، فهما مختلفان كقوله عز وجل: إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ الآية.
وروي عن الحسن أنه قال: النهار خلف من الليل لمن أراد أن يعمل بالليل فيفوته فيقضي، فإذا فاته بالنهار يقضي بالليل لمن أراد أن يذكر. قرأ حمزة يَذَّكَّرَ بالتخفيف في الذال، وضم الكاف. يعني: يذكر ما نسي إذا رأى اختلاف الليل والنهار. وقرأ الباقون بالتشديد وأصله: يتذكر يعني: يتعظ في اختلافهما، ويستدل بهما أَوْ أَرادَ شُكُوراً يعني: العمل الصالح ويترك ما هو عليه من المعصية. ويقال: أَوْ أَرادَ شُكُوراً، أي توحيداً وإقراراً، فيمكنه ذلك.
قوله عز وجل: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ يعني: وإن من عباد الرحمن عباداً يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً يعني: يمضون متواضعين، وهذا جواب لقولهم وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ؟
فقال: الرحمن الذي جعل في السماء بروجاً، وهو الذي له عباد مثل هؤلاء. يعني: أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومن كان مثل حالهم، وهذا كقوله: جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ [مريم: 61] وكقوله: فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ [الزمر: 17] الآية.
وقال مجاهد: يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً قال: في طاعة الله متواضعين. ويقال:
هَوْناً، أي: هيناً لا جور منهم على أحد ولا أذى. ويقال: هَوْناً يعني: سكينة ووقاراً وحلماً. وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ يعني: كلمهم الجاهلون بالجهل قالُوا سَلاماً يعني:
سداداً من القول. ويقال: ردوا إليهم بالجميل. وقال الحسن: يعني: حلماً لا يجهلون، وإن جهل عليهم حلموا. وقال الكلبي: نسخت بآية القتال. وقال بعضهم: هذا خطأ، لأن هذا ليس بأمر، ولكنه خير من حالهم، والنسخ يجري في الأمر والنهي.
ثُمَّ وصف حال لياليهم فقال عز وجل: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً يعني: يقومون بالليل في الصلاة سجداً وَقِياماً يعني: يكونون في ليلتهم مرة ساجدين، ومرة قائمين. وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: «من صلى ركعتين أو أربعاً بعد العشاء، فقد بات لله ساجداً وقائماً» .