فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَهُ (?)
ومنه قوله: (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) أصله: هم في ظلمات، ثم دخل ترك فنصب الجزأين.
والظلمة عدم النور. وقيل: عرض ينافي النور. واشتقاقها من قولهم: ما ظلمك أن تفعل كذا:
أى ما منعك وشغلك، لأنها تسدّ البصر وتمنع الرؤية. وقرأ الحسن (ظلمات) بسكون اللام وقرأ اليماني (في ظلمة) على التوحيد. والمفعول الساقط من (لا يبصرون) من قبيل المتروك المطرح الذي لا يلتفت إلى إخطاره بالبال، لا من قبيل المقدر المنوي، كأنّ الفعل غير متعدّ أصلا، نحو (يَعْمَهُونَ) في قوله: (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) . فإن قلت: فيم شبهت حالهم بحال المستوقد؟ قلت: في أنهم غب الإضاءة خبطوا في ظلمة وتورّطوا في حيرة. فان قلت:
وأين الإضاءة في حال المنافق؟ وهل هو أبداً إلا حائر خابط في ظلماء الكفر؟ قلت: المراد ما استضاءوا به قليلا من الانتفاع بالكلمة المجراة على ألسنتهم، ووراء استضاءتهم بنور هذه الكلمة ظلمة النفاق التي ترمى بهم إلى ظلمة سخط اللَّه وظلمة العقاب السرمد. ويجوز أن يشبه بذهاب اللَّه بنور المستوقد اطلاع اللَّه على أسرارهم وما افتضحوا به بين المؤمنين واتسموا به من سمة النفاق. والأوجه أن يراد الطبع، لقوله: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) . وفي الآية تفسير آخر: وهو أنهم لما وصفوا بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى، عقب ذلك بهذا التمثيل ليمثل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد، والضلالة التي اشتروها وطبع بها على قلوبهم بذهاب اللَّه بنورهم وتركه إياهم في الظلمات. وتنكير النار للتعظيم. كانت حواسهم سليمة ولكن لما سدّوا عن الإصاخة إلى الحق مسامعهم، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم، وأن ينظروا ويتبصروا بعيونهم جعلوا كأنما أيفت مشاعرهم وانتقضت بناها التي بنيت عليها للإحساس والإدراك كقوله: