شيء وأهداه إلى الخير وأدله على الفوز حتى علم القسيسين، وكذلك غم الآخرة والتحدّث بالعاقبة وإن كان في راهب، والبراءة من الكبر وإن كانت في نصراني. ووصفهم اللَّه برقة القلوب وأنهم يبكون عند استماع القرآن، وذلك نحو ما يحكى عن النجاشىّ رضى اللَّه عنه أنه قال لجعفر بن أبى طالب- حين اجتمع في مجلسه المهاجرون إلى الحبشة والمشركون لعنوا وهم يغرونه عليهم ويتطلبون عنتهم عنده-: هل في كتابكم ذكر مريم؟ قال جعفر: فيه سورة تنسب إليها، فقرأها إلى قوله: (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) وقرأ سورة طه إلى قوله: (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) فبكى النجاشي (?) وكذلك فعل قومه الذين وفدوا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهم سبعون رجلا حين قرأ عليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سورة يس، فبكرا. فإن قلت: بم تعلقت اللام في قوله لِلَّذِينَ آمَنُوا؟ قلت: بعداوة ومودّة، على أنّ عداوة اليهود التي اختصت المؤمنين أشدّ العداوات وأظهرها، وأن مودّة النصارى التي اختصت المؤمنين أقرب المودّات، وأدناها وجوداً، وأسهلها حصولا. ووصف اليهود بالعداوة والنصارى بالمودّة مما يؤذن بالتفاوت، ثم وصف العداوة والمودّة بالأشدّ والأقرب. فإن قلت: ما معنى قوله: (تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) (?) قلت: معناه تمتلئ من الدمع حتى تفيض، لأن الفيض أن يمتلئ الإناء أو غيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه، فوضع الفيض الذي هو من الامتلاء موضع الامتلاء، وهو من إقامة