يعنى بذنب التولي عن حكم اللَّه وإرادة خلافه، فوضع بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ موضع ذلك وأراد أنّ لهم ذنوباً جمة كثيرة العدد، وأنّ هذا الذنب مع عظمه بعضها وواحد منها، وهذا الإيهام لتعظيم التولي واستسرافهم في ارتكابه. ونحو البعض في هذا الكلام ما في قول لبيد:
أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا «1»
أراد نفسه: وإنما قصد تفخيم شأنها بهذا الإبهام، كأنه قال: نفسا كبيرة، ونفساً أىّ نفس، فكما أن التنكير يعطى معنى التكبير وهو معنى البعضية، فكذلك إذا صرح بالبعض لَفاسِقُونَ المتمرّدون في الكفر معتدون فيه، يعنى أنّ التولي عن حكم اللَّه من التمرّد العظيم والاعتداء في الكفر.
أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)
أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ فيه وجهان، أحدهما: أنّ قريظة والنضير طلبوا إليه أن يحكم بما كان يحكم به أهل الجاهلية من التفاضل بين القتلى: وروى أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال لهم «القتلى بواء» فقال بنو النضير: نحن لا نرضى بذلك «2» فنزلت: والثاني: أن يكون تعبيراً لليهود بأنهم أهل كتاب وعلم، وهم يبغون حكم الملة الجاهلية التي هي هوى وجهل، لا تصدر عن كتاب ولا ترجع إلى وحى من اللَّه تعالى: وعن الحسن: هو عامّ في كل من يبغى غير حكم اللَّه: والحكم حكمان: حكم بعلم فهو حكم اللَّه، وحكم بجهل فهو حكم الشيطان. وسئل طاوس عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض، فقرأ هذه الآية: وقرئ:
تبغون، بالتاء والياء: وقرأ السلمى: أفحكم الجاهلية يبغون، برفع الحكم على الابتداء، وإيقاع يبغون خبراً وإسقاط الراجع عنه كإسقاطه عن الصلة في: (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا) وعن الصفة في: الناس رجلان: رجل أهنت، ورجل أكرمت. وعن الحال في «مررت بهند يضرب زيد» وقرأ قتادة (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ) على أنّ هذا الحكم الذي يبغونه إنما