أحدهم برشوة جعلها في كمه فأراها إياه وتكلم بحاجته فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه، فيأكل الرشوة ويسمع الكذب. وحكى أن عاملا قدم من عمله فجاءه قومه، فقدم إليهم العراضة (?) وجعل يحدّثهم بما جرى له في عمله، فقال أعرابى من القوم: نحن كما قال اللَّه تعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «كل لحم أنبته السحت فالنار أولى (?) به» قيل:
كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مخيراً- إذا تحاكم إليه أهل الكتاب- بين أن يحكم بينهم وبين أن لا يحكم. وعن عطاء والنخعي والشعبي: أنهم إذا ارتفعوا إلى حكام المسلمين، فإن شاءوا حكموا وإن شاءوا أعرضوا. وقيل: هو منسوخ بقوله: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ) وعند أبى حنيفة رحمه اللَّه: إن احتكموا إلينا حملوا على حكم الإسلام، وإن زنى منهم رجل بمسلمة أو سرق من مسلم شيئا أقيم عليه الحدّ. وأما أهل الحجاز فإنهم لا يرون إقامة الحدود عليهم، يذهبون إلى أنهم قد صولحوا على شركهم وهو أعظم الحدود. ويقولون: إنّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم رجم اليهوديين قبل نزول الجزية فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً لأنهم كانوا لا يتحاكمون إليه إلا لطلب الأيسر والأهون عليهم، كالجلد مكان الرجم. فإذا أعرض عنهم وأبى الحكومة لهم، شق عليهم وتكرهوا إعراضه عنهم وكانوا خلقاء بأن يعادوه ويضاروه، فأمن اللَّه سربه بِالْقِسْطِ بالعدل والاحتياط كما حكم بالرجم وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ تعجيب من تحكيمهم