يطلبون بدمه وقد أهدره اللَّه فقالوا: ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا بحكومة العدل والتوفيق بينه وبين خصمه، وما خطر ببالنا أنه يحكم له بما حكم به فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم، ولا تزد على كفهم بالموعظة والنصيحة عما هم عليه وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً بالغ في وعظهم بالتخفيف والإنذار. فإن قلت: بم تعلق قوله: (فِي أَنْفُسِهِمْ «1» ) ؟ قلت: بقوله: (بَلِيغاً) أى: قل لهم قولا بليغاً في أنفسهم مؤثرا في قلوبهم يغتمون به اغتماما، ويستشعرون منه الخوف استشعاراً، وهو التوعد بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق وأطلع قرنه، وأخبرهم أن ما في نفوسهم من الدغل والنفاق معلوم عند اللَّه، وأنه لا فرق بينكم وبين المشركين، وما هذه المكافة إلا لإظهاركم الإيمان وإسراركم الكفر وإضماره، فإن فعلتم ما تكشفون به غطاءكم لم يبق إلا السيف. أو يتعلق بقوله: (قُلْ لَهُمْ) أى قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولا بليغا، وأنّ اللَّه يعلم ما في قلوبكم لا يخفى عليه فلا يغنى عنكم إبطانه. فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم وداووها من مرض النفاق، وإلا أنزل اللَّه بكم ما أنزل بالمجاهرين بالشرك من انتقامه، وشراً من ذلك وأغلظ. أو قل لهم في أنفسهم- خاليا بهم، ليس معهم غيرهم، مسارّا لهم بالنصيحة، لأنها في السر أنجع، وفي الإمحاض أدخل- قولا بليغا يبلغ منهم ويؤثر فيهم.

[سورة النساء (4) : الآيات 64 الى 65]

وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015