وقد صرّحوا بذلك في قولهم: جعل الغواية مركباً، وامتطى الجهل (?) واقتعد غارب الهوى.
ومعنى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ أى منحوه من عنده وأوتوه من قبله، وهو اللطف والتوفيق الذي اعتضدوا به على أعمال الخير، والترقي إلى الأفضل فالأفضل. ونكر (هدى) ليفيد ضربا مبهماً لا يبلغ كنهه، ولا يقادر قدره كأنه قيل: على أى هدى، كما تقول: لو أبصرت فلانا لأبصرت رجلا. وقال الهذلي:
فَلَا وَأَبِى الطّيْرِ المُرِبَّةِ بالضُّحَى (?) ... عَلى خالِدٍ لَقدْ وَقَعْتِ على لَحَم (?)
والنون في: (مِنْ رَبِّهِمْ) أدغمت بغنة وبغير غنة. فالكسائى، وحمزة، ويزيد، وورش في رواية والهاشمي عن ابن كثير لم يغنوها. وقد أغنها الباقون إلا أبا عمرو. فقد روى عنه فيها روايتان.
وفي تكرير أُولئِكَ تنبيه على أنهم كما ثبتت لهم الأثرة بالهدى، فهي ثابتة لهم بالفلاح فجعلت كلّ واحدة من الأثرتين في تمييزهم بالمثابة التي لو انفردت كفت مميزة على حيالها. فإن قلت:
لم جاء مع العاطف؟ وما الفرق بينه وبين قوله: (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) ؟ قلت: قد اختلف الخبران هاهنا فلذلك دخل العاطف، بخلاف الخبرين ثمة فإنهما متفقان لأن التسجيل عليهم بالغفلة وتشبيهم بالبهائم شيء واحد، فكانت الجملة الثانية مقرّرة لما في الأولى فهي من العطف بمعزل