أى لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم كله، وهم مع ذلك يبغضونكم. فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بشيء من كتابكم. وفيه توبيخ شديد بأنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم. ونحوه (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ) ويوصف المغتاظ والنادم بعضّ الأنامل والبنان والإبهام. قال الحرث بن ظالم المري:
فَأقْتُلُ أقْوَاماً لِئَاماً أَذِلَّةً ... يَعُضُّونَ مِنْ غَيْظٍ رُؤُسَ الْأبَاهِمِ «1»
قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ دعاء عليهم بأن يزداد غيظهم حتى يهلكوا به والمراد بزيادة الغيظ زيادة ما يغيظهم من قوّة الإسلام وعز أهله وما لهم في ذلك من الذل والخزي والتبار إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فهو يعلم ما في صدور المنافقين من الحنق والبغضاء، وما يكون منهم في حال خلوّ بعضهم ببعض، وهو كلام داخل في جملة المقول أو خارج منها. فإن قلت: فكيف معناه على الوجهين؟ قلت: إذا كان داخلا في جملة المقول فمعناه: أخبرهم بما يسرونه من عضهم الأنامل غيظا إذا خلوا، وقل لهم إنّ اللَّه عليم بما هو أخفى مما تسرونه بينكم وهو مضمرات الصدور، فلا تظنوا أنّ شيئا من أسراركم يخفى عليه. وإذا كان خارجا فمعناه: قل لهم ذلك يا محمد ولا تتعجب من اطلاعى إياك على ما يسرون فإنى أعلم ما هو أخفى من ذلك وهو ما أضمروه في صدورهم ولم يظهروه بألسنتهم. ويجوز أن لا يكون ثمَّ قول، وأن يكون قوله: (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) أمراً لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطيب النفس وقوة الرجاء والاستبشار بوعد اللَّه أن يهلكوا غيظاً بإعزاز الإسلام وإذلالهم به، كأنه قيل: حدث نفسك بذلك.
إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)
الحسنة: الرخاء والخصب والنصرة والغنيمة ونحوها من المنافع. والسيئة: ما كان ضدّ ذلك.
وهذا بيان لفرط معاداتهم حيث يحسدونهم على ما نالهم من الخير ويشمتون بهم فيما أصابهم من الشدّة. فإن قلت: كيف وصفت الحسنة بالمس والسيئة بالإصابة؟ «2» قلت: المس