شأنها، متنبها على الرمزة وإن خفى مكانها، لا كزّا جاسيا، ولا غليظاً جافياً متصرفا ذا دراية بأساليب النظم والنثر، مرتاضا غير ريض (?) بتلقيح بنات الفكر قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلف، وكيف ينظم ويرصف، طالما دفع إلى مضايقه، ووقع في مداحضه ومزالقه.
ولقد رأيت إخواننا في الدين من أفاضل الفئة الناجية (?) العدلية، الجامعين بين علم العربية والأصول الدينية، كلما رجعوا إلىّ في تفسير آية فأبرزت لهم بعض الحقائق من الحجب، أفاضوا في الاستحسان والتعجب واستطيروا شوقا إلى مصنف يضم أطرافا من ذلك حتى اجتمعوا إلىّ مقترحين أن أملى عليهم (الكشف عن حقائق التنزيل، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل) فاستعفيت، فأبوا إلا المراجعة والاستشفاع بعظماء الدين وعلماء العدل والتوحيد والذي حدانى على الاستعفاء على علمى أنهم طلبوا ما الإجابة إليه علىّ واجبة لأنّ الخوض فيه كفرض العين ما أرى عليه الزمان من رثاثة أحواله وركاكة رجاله وتقاصر هممهم عن أدنى عدد هذا العلم فضلا أن تترقى إلى الكلام المؤسس على علمى المعاني والبيان، فأمليت عليهم مسألة في الفواتح، وطائفة من الكلام في حقائق سورة البقرة وكان كلاما مبسوطا كثير السؤال والجواب طويل الذيول والأذناب، وإنما حاولت به التنبيه على غزارة نكت هذا العلم وأن يكون لهم مناراً ينتحونه ومثالا يحتذونه، فلما صمم العزم على معاودة جوار اللَّه والإناخة بحرم اللَّه فتوجهت تلقاء مكة، وجدت في مجتازى بكل بلد من فيه مسكة من أهلها- وقليل ما هم- عطشى الأكباد إلى العثور على ذلك المملى، متطلعين إلى إيناسه، حرّاصا على اقتباسه، فهز ما رأيت من عطفي وحرّك الساكن من نشاطي، فلما حططت الرحل بمكة إذا أنا بالشعبة السنية، من الدوحة الحسنية: الأمير الشريف الإمام شرف آل رسول اللَّه أبى الحسن على بن حمزة بن وهاس، ادام اللَّه مجده، وهو النكتة والشامة في بنى الحسن مع كثرة محاسنهم وجموم مناقبهم- أعطش الناس كبداً وألهبهم حشى وأوفاهم رغبة، حتى ذكر أنه كان يحدّث نفسه- في مدّة غيبتي عن الحجاز مع تزاحم ما هو فيه من المشادّة- بقطع الفيافي وطى المهامه والوفادة علينا بخوارزم ليتوصل إلى إصابة هذا الغرض فقلت قد ضاقت على المستعفى الحيل، وعيت به العلل ورأيتنى قد أخذت منى السنّ، وتقعقع الشنّ، وناهزت العشر التي سمتها العرب دقاقة الرقاب، فأخذت في طريقة أخصر من الأولى مع ضمان التكثير من الفوائد