أو عمل السوء محضراً، كقوله تعالى: (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) يعنى مكتوبا في صحفهم يقرءونه ونحوه (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ) . والأمد المسافة كقوله تعالى: (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) وكرّر قوله وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ليكون على بال منهم لا يغفلون عنه وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ يعنى أن تحذيره نفسه وتعريفه حالها من العلم والقدرة من الرأفة العظيمة بالعباد لأنهم إذا عرفوه حق المعرفة وحذروه دعاهم ذلك إلى طلب رضاه واجتناب سخطه. وعن الحسن من رأفته بهم أن حذرهم نفسه. ويجوز أن يريد أنه مع كونه محذوراً لعلمه وقدرته، مرجوّ لسعة رحمته كقوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) .
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32)
محبة العباد للَّه مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره ورغبتهم فيها. ومحبة اللَّه عباده أن يرضى عنهم ويحمد فعلهم. والمعنى: إن كنتم مريدين لعبادة اللَّه على الحقيقة فَاتَّبِعُونِي حتى يصحّ ما تدعونه من إرادة عبادته، يرض عنكم ويغفر لكم. وعن الحسن: زعم أقوام على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنهم يحبون اللَّه فأراد أن يجعل لقولهم تصديقا من عمل، فمن ادعى محبته وخالف سنة رسوله فهو كذاب وكتاب اللَّه يكذبه. وإذا رأيت من يذكر محبة اللَّه ويصفق بيديه مع ذكرها ويطرب وينعر ويصعق «1» فلا تشك في أنه لا يعرف ما اللَّه ولا يدرى ما محبة اللَّه. وما تصفيقه وطربه ونعرته وصعقته إلا أنه تصوّر في نفسه الخبيثة صورة مستملحة معشقة فسماها اللَّه بجهله ودعارته، ثم صفق وطرب ونعر وصعق على تصوّرها، وربما رأيت المنىَّ قد ملأ إزار ذلك المحب عند صعقته، وحمقى العامة على حواليه قد ملؤوا أدرانهم بالدموع لما رققهم من حاله. وقرئ: تحبون. ويحببكم. ويحبكم، من حبه يحبه. قال:
أُحِبُّ أبَا ثَرْوَانَ مِنْ حُبِّ تَمْرِهِ ... وَأَعْلَمُ أنّ الرِّفْقَ بِالْجَارِ أَرْفَقُ
وَوَ اللَّهِ لَوْلَا تَمْرُهُ ما حَبَبْتُهُ ... وَلَا كَانَ أَدْنَى مِنْ عُبَيْدٍ وَمُشْرِقُ «2»