الآخران خاصان بعضان من الكل: روى أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين افتتح مكة وعد أمته ملك فارس والروم، فقال المنافقون واليهود: هيهات هيهات، من أين لمحمد ملك فارس والروم؟ (?) هم أعز وأمنع من ذلك. وروى أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما خط الخندق (?) عام الأحزاب وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا وأخذوا يحفرون، خرج من بطن الخندق صخرة كالتل العظيم لم تعمل فيها المعاول، فوجهوا سلمان إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخبره، فأخذ المعول من سلمان فضربها ضربة صدّعتها «وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، وكبر وكبر المسلمون وقال: أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقال: أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب الثالثة فقال: أضاءت لي قصور صنعاء، وأخبرنى جبريل عليه السلام أن أمّتى ظاهرة على كلها، فأبشروا. فقال المنافقون: ألا تعجبون، يمنيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا، فنزلت. فإن قلت: كيف قال بِيَدِكَ الْخَيْرُ فذكر الخير دون الشر؟ قلت: لأنّ الكلام إنما وقع في الخير الذي يسوقه إلى المؤمنين وهو الذي أنكرته الكفرة، فقال بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك، ولأن كل أفعال اللَّه تعالى من نافع وضارّ صادر عن الحكمة والمصلحة، فهو خير كله كإيتاء الملك ونزعه. ثم ذكر قدرته الباهرة بذكر حال الليل والنهار في المعاقبة بينهما، وحال الحىّ والميت في إخراج أحدهما من الآخر، وعطف عليه رزقه بغير حساب على أنّ من قدر على تلك الأفعال العظيمة المحيرة للأفهام ثم قدر أن يرزق بغير حساب من يشاء من عباده، فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم ويذلهم ويؤتيه العرب ويعزهم وفي بعض الكتب: أنا اللَّه ملك الملوك، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي، فإن العباد أطاعونى جعلتهم لهم رحمة، وإن العباد عصوني جعلتهم عليهم عقوبة، فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن