ما ابتلى اللَّه به أهل أيلة من ترك الصيد مع إتيان الحيتان شرَّعا، بل هو أشد منه وأصعب. وإنما عرف ذلك طالوت بإخبار من النبي. وإن كان نبيا- كما يروى عن بعضهم- فبالوحى. وقرئ (بنهر) بالسكون. فإن قلت: ممَّ استثنى قوله إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ؟ قلت: من قوله: (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) (?) والجملة الثانية في حكم المتأخرة، إلا أنها قدّمت للعناية كما قدم (وَالصَّابِئُونَ) في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) ومعناه: الرخصة في اغتراف الغرفة باليد دون الكروع، والدليل عليه قوله فَشَرِبُوا مِنْهُ أى فكرعوا فيه إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وقرئ (غرفة) بالفتح بمعنى المصدر، وبالضم بمعنى المغروف. وقرأ أبىّ والأعمش: إلا قليل، بالرفع. وهذا من ميلهم مع المعنى والإعراض عن اللفظ جانباً، وهو باب جليل من علم العربية.
فلما كان معنى (فَشَرِبُوا مِنْهُ) في معنى فلم يطيعوه، حمل عليه، كأنه قيل: فلم يطيعوه إلا قليل منهم.
ونحوه قول الفرزدق:
............... لمْ يَدَعْ ... مِنَ الْمَالِ إلّا مُسْحَتٌ أوْ مُجَلَّفُ (?)
كأنه قال: لم يبق من المال إلا مسحت أو مجلف. وقيل: لم يبق مع طالوت إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر