ونحو ذلك، فيقال لك: فقد دلّ الدليل على نفى الوجوب، وهو ما روى أنه قيل: يا رسول اللَّه: العمرة واجبة مثل الحج؟ قال: «لا، ولكن أن تعتمر خير لك» (?) وعنه «الحج جهاد والعمرة تطوّع» (?) . فإن قلت: فقد روى عن ابن عباس رضى اللَّه عنه أنه قال: إن العمرة لقرينة الحج (?) . وعن عمر رضى اللَّه عنه أنّ رجلا قال له: إنى وجدت الحجّ والعمرة مكتوبين علىّ، أهللت بهما جميعاً فقال: «هديت لسنة نبيك» (?) وقد نظمت مع الحج في الأمر بالإتمام فكانت واجبة مثل الحج؟ قلت: كونها قرينة للحج أنّ القارن يقرن بينهما، وأنهما يقترنان في الذكر فيقال: حجّ فلان واعتمر والحجاج والعمار، ولأنها الحجّ الأصغر، ولا دليل في ذلك على كونها قرينة له في الوجوب. وأمّا حديث عمر رضى اللَّه عنه فقد فسر الرجل كونهما مكتوبين عليه بقوله: أهللت بهما، وإذا أهلّ بالعمرة وجبت عليه كما إذا كبر بالتطوّع من الصلاة. والدليل الذي ذكرناه أخرج العمرة من صفة الوجوب فبقى الحجّ وحده فيها، فهما بمنزلة قولك: صم شهر رمضان وستة من شوّال، في أنك تأمره بفرض وتطوّع. وقرأ علىّ وابن مسعود والشعبي رضى اللَّه عنهم (والعمرة للَّه) بالرفع، كأنهم قصدوا بذلك إخراجها عن حكم الحجّ وهو الوجوب فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ يقال: أُحصر فلان، إذا منعه أمر من خوف أو مرض أو عجز. قال اللَّه تعالى (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) . وقال ابن ميادة:
وَمَا هجْرُ لَيْلَى أَنْ تَكُونَ تَبَاعَدَتْ ... عَليْكَ وَلَا أَنْ أحْصَرَتْكَ شَغُولُ (?)