فيها. فإن قلت: هلا قيل: على قلوبنا أكنة، كما قيل: وفي آذاننا وقر، ليكون الكلام على نمط واحد؟ قلت: هو على نمط واحد، لأنه لا فرق في المعنى بين قولك: قلوبنا في أكنة. وعلى قلوبنا أكنة. والدليل عليه قوله تعالى إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ولو قيل: إنا جعلنا قلوبهم في أكنة: لم يختلف المعنى، وترى المطابيع منهم لا يراعون الطباق والملاحظة «1» إلا في المعاني.
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (7)
فإن قلت: من أين كان قوله إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ جوابا لقولهم قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ «2» ؟ قلت: من حيث أنه قال لهم: إنى لست بملك، وإنما أنا بشر مثلكم، وقد أوحى إلىّ دونكم فصحت- بالوحي إلىّ وأنا بشر- نبوّتى، وإذا صحت نبوّتى: وجب عليكم اتباعى، وفيما يوحى إلىّ: أن إلهكم إله واحد فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ فاستووا إليه بالتوحيد وإخلاص العبادة غير ذاهبين يمينا ولا شمالا، ولا ملتفتين إلى ما يسوّل لكم الشيطان من اتخاذ الأولياء والشفعاء، وتوبوا إليه مما سبق لكم من الشرك وَاسْتَغْفِرُوهُ. وقرئ: قال إنما أنا بشر.
فإن قلت: لم خص من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر بالآخرة؟ قلت:
لأن أحب شيء إلى الإنسان ما له وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته واستقامته وصدق نيته ونصوع طويته. ألا ترى إلى قوله عز وجل وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى: يثبتون أنفسهم ويدلون على ثباتها بإنفاق الأموال، وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة «3» من الدنيا فقرّت عصبيتهم ولانت شكيمتهم وأهل الردّة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تظاهروا إلا بمنع الزكاة، فنصبت لهم الحرب،