بذكره ما ذهبت إليه من تمييز من أرسل على صراط مستقيم عن غيره ممن ليس على صفته، وإنما الغرض وصفه ووصف ما جاء به من الشريعة، فجمع بين الوصفين في نظام واحد، كأنه قال:
إنك لمن المرسلين الثابتين على طريق ثابت، وأيضا فإن التنكير فيه دل على أنه أرسل من بين الصراط المستقيمة على صراط مستقيم لا يكتنه وصفه (?) ، وقرئ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وبالنصب على أعنى، وبالجرّ على البدل من القرآن قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ قوما غير منذر آباؤهم على الوصف (?) ونحوه قوله تعالى لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ، وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ. وقد فسر ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ على إثبات الإنذار.
ووجه ذلك أن تجعل ما مصدرية، لتنذر قوما إنذار آبائهم أو موصولة ومنصوبة على المفعول الثاني لتنذر (?) قوما ما أنذره آباؤهم من العذاب، كقوله تعالى نَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً
فإن قلت: أى فرق بين تعلقي قوله فَهُمْ غافِلُونَ على التفسيرين؟ قلت: هو على الأوّل متعلق بالنفي، أى: لم ينذروا فهم غافلون، على أن عدم إنذارهم هو سبب غفلتهم، وعلى الثاني بقوله إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ لتنذر، كما تقول: أرسلتك إلى فلان لتنذره، فإنه غافل. أو فهو غافل. فإن قلت: كيف يكونون منذرين غير منذرين لمناقضة هذا ما في الآي الأخر؟ قلت: لا مناقضة:
لأنّ الآي في نفى إنذارهم لا في نفى إنذار آبائهم، وآباؤهم القدماء من ولد إسماعيل وكانت النذارة فيهم (?) فإن قلت: ففي أحد التفسيرين أنّ آباءهم لم ينذروا وهو الظاهر، فما تصنع به؟ قلت: