سَيَقُولُ السُّفَهاءُ الخفاف الأحلام وهم اليهود لكراهتهم التوجه إلى الكعبة، وأنهم لا يرون النسخ. وقيل: المنافقون، لحرصهم على الطعن والاستهزاء. وقيل: المشركون، قالوا رغب عن قبلة آبائه ثم رجع إليها، واللَّه ليرجعن إلى دينهم. فإن قلت: أى فائدة في الإخبار بقولهم قبل وقوعه (?) ؟ قلت: فائدته أنّ مفاجأة المكروه أشدّ، والعلم به قبل وقوعه أبعد من الاضطراب إذا وقع لما يتقدّمه من توطين النفس، وأنّ الجواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم وأرد لشغبه، وقبل الرمي يراش السهم ما وَلَّاهُمْ ما صرفهم عَنْ قِبْلَتِهِمُ وهي بيت المقدس لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ أى بلاد المشرق والمغرب والأرض كلها يَهْدِي مَنْ يَشاءُ من أهلها إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهو ما توجبه الحكمة والمصلحة، من توجيههم تارة إلى بيت المقدس، وأخرى إلى الكعبة وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ ومثل ذلك الجعل العجيب جعلناكم أُمَّةً وَسَطاً خيارا، وهي صفة بالاسم الذي هو وسط الشيء. ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.
ونحوه قوله عليه السلام: «وأنطوا (?) الثبجة (?) » يريد الوسيطة بين السمينة والعجفاء وصفا بالثبج وهو وسط الظهر، إلا أنه الحق تاء التأنيث مراعاة لحق الوصف. وقيل: للخيار: وسط (?) لأنّ الأطراف يتسارع إليها الخلل، والأعوار والأوساط محمية محوّطة. ومنه قول الطائي:
كَانَتْ هِىَ الْوَسَطَ المَحْمِىَّ فَاكْتَنَفَتْ ... بِهَا الْحَوَادِثُ حَتَّى أَصْبَحَتْ طَرَفَا (?)