قرئ فَلا تَسْئَلْنِي بالنون الثقيلة، يعنى: فمن شرط اتباعك لي أنك إذا رأيت منى شيئا- وقد علمت أنه صحيح إلا أنه غبي عليك وجه صحته فحميت «1» وأنكرت في نفسك- أن لا تفاتحنى بالسؤال ولا تراجعني فيه، حتى أكون أنا الفاتح عليك. وهذا من آداب المتعلم مع العالم، والمتبوع مع التابع.
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (71) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (72)
فَانْطَلَقا على ساحل البحر يطلبان السفينة، فلما ركبا قال أهلها: هما من اللصوص، وأمروهما بالخروج، فقال صاحب السفينة: أرى وجوه الأنبياء. وقيل: عرفوا الخضر فحملوهما بغير نول، فلما لججوا أخذ الخضر الفأس فخرق السفينة بأن قلع لوحين من ألواحها مما يلي الماء فجعل موسى يسدّ الخرق بثيابه ويقول أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها وقرئ: لتغرّق، بالتشديد. وليغرق أهلها.
من غرق وأهلها مرفوع جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً أتيت شيئا عظيما، من أمر الأمر: إذا عظم، قال:
داهية دهياء إدّا إمرا «2»
قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (73)
بِما نَسِيتُ بالذي نسيته، أو بشيء نسيته، أو بنسياني: أراد أنه نسى وصيته ولا مؤاخذة على الناسي. أو أخرج الكلام في معرض النهى عن المؤاخذة بالنسيان، يوهمه أنه قد نسى ليبسط عذره في الإنكار، وهو من معاريض الكلام التي يتقى بها الكذب، مع التوصل إلى الغرض، كقول إبراهيم: هذه أختى، وإنى سقيم. أو أراد بالنسيان: الترك، أى: لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرّة. يقال: رهقه إذا غشيه، وأرهقه إياه. أى: ولا تغشني عُسْراً من أمرى، وهو اتباعه إياه، يعنى: ولا تعسر علىّ متابعتك، ويسرها علىّ بالإغضاء وترك المناقشة. وقرئ: عسرا، بضمتين.