من فنون المطاعم والمشارب والفواكه والمناكح والمراكب والمناظر الحسنة البهية، وعلى أسباب الوحشة والمشقة من أنواع المكاره كالنيران والصواعق والسباع والأحناش والسموم والغموم والمخاوف. وقد استدل بقوله: (خَلَقَ لَكُمْ) على أنّ الأشياء التي يصح أن ينتفع بها (?) ولم تجر مجرى المحظورات في العقل خلقت في الأصل مباحة مطلقا لكل أحد أن يتناولها ويستنفع بها. فإن قلت: هل لقول من زعم أنّ المعنى خلق لكم الأرض وما فيها وجه صحة؟
قلت: إن أراد بالأرض الجهات السفلية دون الغبراء كما تذكر السماء وتراد الجهات العلوية:
جاز ذلك، فإنّ الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السفلية. وجَمِيعاً نصب على الحال من الموصول الثاني. والاستواء: الاعتدال والاستقامة. يقال: استوى العود وغيره، إذا قام واعتدل، ثم قيل: استوى إليه كالسهم المرسل إذا قصده قصداً مستوياً، من غير أن يلوى على شيء. ومنه استعير قوله: (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) ، أى قصد إليها بإرادته ومشيئته بعد خلق ما في الأرض، من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شيء آخر. والمراد بالسماء: جهات العلو، كأنه قيل: ثم استوى إلى فوق. والضمير في فَسَوَّاهُنَّ ضمير مبهم. وسَبْعَ سَماواتٍ تفسيره، كقولهم: ربه رجلا. وقيل الضمير راجع إلى السماء. والسماء في معنى الجنس. وقيل جمع سماءة، والوجه العربي هو الأوّل. ومعنى تسويتهنّ: تعديل خلقهنّ، وتقديمه، وإخلاؤه من العوج والفطور، أو إتمام خلقهنّ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فمن ثم خلقهنّ خلقاً مستوياً محكما من غير تفاوت، مع خلق ما في الأرض على حسب حاجات أهلها ومنافعهم ومصالحهم.
فإن قلت: ما فسرت به معنى الاستواء إلى السماء يناقضه «ثم» لإعطائه معنى التراخي والمهلة قلت: «ثم» هاهنا لما بين الخلقين من التفاوت وفضل خلق السماوات على خلق الأرض، لا للتراخي في الوقت كقوله: (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) . على أنه لو كان لمعنى التراخي في الوقت لم يلزم ما اعترضت به، لأن المعنى أنه حين قصد إلى السماء لم يحدث فيما بين ذلك- أى في تضاعيف القصد إليها-