هو جار على سبيل التمثيل مثل تركه تخييب العبد وأنه لا يردّ يديه صفرا من عطائه لكرمه بترك من يترك ردّ المحتاج إليه حياء منه. وكذلك معنى قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أى لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيى أن يتمثل بها لحقارتها. ويجوز أن تقع هذه العبارة في كلام الكفرة، فقالوا: أما يستحيى رب محمد أن يضرب مثلا بالذباب والعنكبوت فجاءت على سبيل المقابلة وإطباق الجواب على السؤال. وهو فنّ من كلامهم بديع، وطراز عجيب، منه قول أبى تمام:
مَنْ مُبْلِغٌ أَفْناءَ يَعْرُبَ كُلَّها ... أَنِّى بَنَيْتُ الجَارَ قبْلَ المَنْزِلِ؟ (?)
وشهد رجل عند شريح. فقال: إنك لسبط الشهادة. فقال الرجل: إنها لم تجعد عنى. فقال:
للَّه بلادك، وقبل شهادته. فالذي سوغ بناء الجار وتجعيد الشهادة هو مراعاة المشاكلة. ولولا بناء الدار لم يصح بناء الجار. وسبوطة الشهادة لامتنع تجعيدها. وللَّه درّ أمر التنزيل وإحاطته بفنون البلاغة وشعبها، لا تكاد تستغرب منها فنا إلا عثرت عليه فيه على أقوم مناهجه وأسدّ مدارجه. وقد استعير الحياء فيما لا يصح فيه:
إذَا مَا اسْتَحَيْنَ المَاءَ يَعْرِضُ نفْسَهُ ... كرَعْنَ بِسبْتٍ (?) في إناءٍ مِنَ الوَرْدِ (?)