ولا يرمى النائر بمجموع خطبه أو رسائله ضربة، فلو أنزله اللَّه لأنزله خلاف هذه العادة جملة واحدة: قال اللَّه تعالى: (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) ، فقيل:

إن ارتبتم في هذا الذي وقع إنزاله هكذا على مهل وتدريج، فهاتوا أنتم نوبة واحدة من نوبه، وهلموا نجما فردا من نجومه: سورة من أصغر السور، أو آيات شتى مفتريات. وهذه غاية التبكيت، ومنتهى إزاحة العلل. وقرئ (على عبادنا) يريد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأمته. والسورة: الطائفة من القرآن المترجمة التي أقلها ثلاث آيات. وواوها إن كانت أصلا، فإما أن تسمى بسورة المدينة وهي حائطها، لأنها طائفة من القرآن محدودة محوّزة على حيالها، كالبلد المسوّر، أو لأنها محتوية على فنون من العلم وأجناس من الفوائد، كاحتواء سورة المدينة على ما فيها. وإما أن تسمى بالسورة التي هي الرتبة. قال النابغة:

ولرَهْطِ حَرَّابٍ وقَدٍ سُورَةٌ ... في المَجْدِ لَيْسَ غُرَابُهَا بمُطَارِ (?)

لأحد معنيين، لأن السور بمنزلة المنازل والمراتب يترقى فيها القارئ: وهي أيضاً في أنفسها مترتبة: طوال وأوساط وقصار، أو لرفعة شأنها وجلالة محلها في الدين. وإن جعلت واوها منقلبة عن همزة، فلأنها قطعة وطائفة من القرآن، كالسؤرة التي هي البقية من الشيء والفضلة منه. فان قلت: ما فائدة تفصيل القرآن وتقطيعه سوراً؟ قلت: ليست الفائدة في ذلك واحدة. ولأمر ما أنزل اللَّه التوراة والإنجيل والزبور وسائر ما أوحاه إلى أنبيائه على هذا المنهاج مسوّرة مترجمة السور. وبوّب المصنفون في كل فنّ كتبهم أبوابا موشحة الصدور بالتراجم. ومن فوائده: أنّ الجنس إذا انطوت تحته أنواع، واشتمل على أصناف، كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015