الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ: ملك النفس حتى يغلبه هواه ويتخذه إلها. كما قال الله عزّ وجل أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ (?) .
وقال الشاعر:
ملكت نفسي فذاك ملك ... ما مثله للأنام ملك
فصرت حرا بملك نفسي ... فما لخلق عليّ ملك.
آخر:
من ملك النفس فحر [ضاهي] (?) ... والعبد من يملكه هواه
وقيل: هو ملك العافية. قال الله تعالى: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً (?)
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أصبح منكم آمنا في سربه. معافى في بدنه، وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» [39] (?) .
وقيل: هو القناعة.
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ملوك أمتي القانع يوما بيوم، فمن أوتي ذلك فلم يقبله بقبوله ولم يصبر عليه شاكرا قصر عمله، وقل عقله» [40] .
وعن ابن المبارك قال: دخلت على سفيان الثوري بمكة، فوجدته مريضا شارب دواء، وبه غم شديد فسلمت عليه، وقلت: ما لك يا عبد الله؟ فقال: أنا مريض شارب دواء وبي غم شديد، فقلت: أعندك بصلة؟ قال: نعم، فقلت: آتيني بها فأتاني بها، فكسرتها ثم قلت: شمّها فشمّها فعطس عند ذلك فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، فسكن ما به، فقال لي: يا بن المبارك أنت فقيه وطبيب. أو قال: عالم وطبيب، فقلت له: مجرّب يا أبا عبد الله. قال: فلمّا رأيته سكن ما به وطابت نفسه. قلت: إني أريد أن أسألك حديثا. فقال: سل ما شئت.
فقلت: أخبرني ما الناس؟ قال: الفقهاء. قلت: فما الملوك؟ قال: الزّهاد. قلت: فما الأشراف؟ قال: الأتقياء. قلت: فما الغوغاء؟ قال: الذين يكتبون الأحاديث ليستأكلوا به أموال الناس. قلت له: أخبرني رحمك الله: ما السفلة؟ قال: الظلمة. ثم ودّعته وخرجت من عنده.
قال: يا ابن المبارك عليك بهذا الخبر فإنه موجود رخيص قبل أن يغلوا فلا يوجد بالثمن.
وقال عبد العزيز بن يحيى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: يعني الملك على المهين وقهر الشيطان. كما
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدم» [41] (?) .