وفي سَائِرِ تَكَاليفِ الشَّرْع، والابتلاء في الأنفس بالمَوْتِ، والأمراضِ وفَقْدِ الأحبَّة، قال الفَخْر «1» : قال الواحديُّ «2» : اللام في لَتُبْلَوُنَّ: لامُ قسمٍ. انتهى.
وقوله: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ... الآية: قال عِكْرِمَةُ وغَيْره: السبَبُ في نزولها أقوالُ فِنْحَاص «3» ، وقال الزُّهْريُّ «4» وغيره: نزلَتْ بسبب كَعْب بن الأشْرفِ حتى بعث إلَيْه رسُولُ اللَّه صلّى الله عليه وسلّم مَنْ قتله، والأذَى: اسمٌ جامعٌ في معنى الضَّرَر، وهو هنا يشملُ أقوالهم فيما يَخُصُّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه مِنْ سبٍّ، وأقوالهم في جِهَة اللَّه سبحانه، وأنبيائه، وندَبَ سبحانه إلى الصبْرِ والتقوى، وأخبر أنه مِنْ عَزْم الأمور، أي: مِنْ أشدِّها وأحسنها، والعَزْمُ: إمضاءُ الأَمْر المُرَوَّى المُنَقَّح، وليس ركوب الرأي دون رويّة عزما.
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (187)
وقوله سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ... الآية: توبيخ لمعاصري النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثم هو مع ذلك خَبَرٌ عامٌّ لهم ولغيرهم، قال جمهورٌ من العلماء:
الآية عامَّةٌ في كلِّ من علَّمه اللَّه عِلْماً، وعلماءُ هذه الأمَّة داخلُونَ في هذا الميثاقِ، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ، فَكَتَمَهُ، أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» «5» ، والضميرُ في: لَتُبَيِّنُنَّهُ، وَلا تَكْتُمُونَهُ: عائدٌ على الْكِتابَ، والنَّبْذُ: الطَّرْح، وأظهر الأقوال في هذه الآيةِ أنَّها نزلَتْ في اليهودِ، وهم المعْنِيُّون، ثم كلِّ كاتمٍ من هذه الأمَّة يأخذ بحظِّه من هذه المَذَمَّةِ.