وقوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ... الآية: رُويَ في سبب هذه الآية أنَّه لما هزم أصحابه صلّى الله عليه وسلّم، وشُجَّ وَجْهُهُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، جَعَلَ يَمْسَحُ وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ» ، وفي بعض طُرُق الحَدِيثِ: «كَيْفَ بِقَوْمٍ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّه» ، فَنَزَلَتِ الآيةُ، فقيلِ لَهُ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، أي: عواقب الأمور بيد اللَّه، فامض أنْتَ لشأْنِكَ، ودُمْ على الدعاء إلى ربِّك. قلت: وقد فعل ذلك صلّى الله عليه وسلّم ممتثلاً أَمْرَ ربِّه، قال عِيَاض: رُوِيَ أنَّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لَمَّا كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَشُجَّ وَجْهُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، شَقَّ ذَلِكَ على أَصْحَابِهِ، وَقَالُوا: لَوْ دَعَوْتَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَلَكِنِّي بُعِثْتُ دَاعِياً، وَرَحْمَةً، اللَّهُمَّ اهد قَوْمِي، فإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» «1» ، ورُوِيَ عن عُمَر (رضي اللَّه عنه) أنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ كلامه: بِأَبِي وَأُمِّي أنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ دَعَا نُوحٌ على قَوْمِهِ، فَقَالَ: رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ [نوح: 26] الآية وَلَوْ دَعَوْتَ عَلَيْنَا، لَهَلَكْنَا مِنْ عِنْدِ آخِرِنَا، فَلَقَدْ وُطِيءَ ظَهْرُكَ، وَأُدْمِيَ وَجْهُكَ، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَتُكَ، فَأَبَيْتَ أَنْ تَقُولَ إلاَّ خَيْراً، فَقُلْتَ: «اللَّهُمَّ، اغفر لِقَوْمِي فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» اهـ.
قال الطبريُّ «2» وغيره من المفسِّرين: أَوْ يَتُوبَ عطْفٌ على يَكْبِتَهُمْ والمعنى:
أوْ يَتُوبَ عليهم، فَيَسْلَمُونَ/ أو يُعَذِّبَهم، إنْ تَمَادَوْا على كفرهم فإنهم ظالمون، ثم أكَّد سبحانه معنى قوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ بذكْرِ الحُجَّةِ السَّاطعة في ذلك، وهي ملكه الأشياء، فقال سُبْحانه: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، أي: فله سبحانه أنْ يفعل بحَقِّ ملكه ما يشاء، لا اعتراض علَيْه ولا معقِّب لحُكْمه، وذَكَر سبحانَهُ: أنَّ الغُفْران أو التَّعْذيب، إنما هو بمشيئَتِهِ، وبحَسَب السَّابق في علْمه، ثم رجى سبحانه في آخر ذلك تأنيسا للنّفوس.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)
وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً ... الآية.
قال ع «3» : هذا النهْيُ عن أَكْلِ الربا اعترَضَ أثناء قِصَّة أُحُدٍ، ولا أحفظ سببا في ذلك