وقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ... الآية: هو فرضُ الحجِّ في كتابِ اللَّه بإجماع، وقرأ حمزةُ، والكِسَائيُّ، وحَفْص عن عاصِمٍ: «حَجُّ الَبْيتِ» بكَسْر الحاء، وقرأ الباقُونَ بفتحها (?) ، / فَبِكَسْر الحاء: يريدُون عَمَلَ سَنَةٍ واحدةٍ، وقال الطبريُّ (?) : هما لُغَتَانِ الكَسْر: لُغَةُ نَجْدٍ، والفتْحُ لغة أهل العَالِيَةِ.

وقوله سبحانه: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «مَنْ» : في موضعِ خَفْضٍ بدلٍ من «النَّاس» ، وهو بدلُ البَعْض من الكلِّ، وقال الكسائيُّ وغيره: هي شَرْطٌ في موضع رفعٍ بالابتداء، والجوابُ محذوفٌ، تقديره: فَعَلَيْهِ الحِجُّ ويدلُّ عليه عطْفُ الشرطِ الآخَرِ بعده في قوله:

وَمَنْ كَفَرَ، وأسند الطبريُّ إلى النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «مَنْ مَلَكَ زَاداً وَرَاحِلَةً، فَلَمْ يَحُجَّ، فَلاَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا (?) ، وذهب جماعةٌ من العلماءِ إلى أنَّ قوله سبحانه:

مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا كلامٌ عامٌّ لا يتفسَّر بزادٍ ولا راحلةٍ، ولا غَيْرِ ذلك، بل إذا كان مستطيعاً غَيْرَ شاقٍّ على نفسه، فقد وجَبَ علَيْه الحَجُّ، وإليه نحا مَالِكٌ في سماع أَشْهَبَ، وقال: لا صِفَةَ في هذا أبْيَنُ ممَّا قال الله تعالى. هذا أنْبَلُ الأقوال، وهذه مِنَ الأمور التي يتصرَّف فيها فِقْهُ الحال، والضميرُ في «إِلَيْهِ» عائدٌ على البيت، ويحتملُ عَلَى الحِجِّ.

وقوله سبحانه: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ، قال ابن عبَّاس وغيره:

المعنى: مَنْ زعم أنَّ الحَجَّ ليس بفَرْضٍ عليه (?) ، وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قرأَ هذه الآيةَ، فقَالَ رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ تَرَكَهُ، كَفَرَ، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من تركه، لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015