فَقُلْ لِلْحَوَارِيَّاتِ يَبْكِينَ غَيْرَنَا ... وَلاَ تَبْكِنَا إلاَّ الْكِلاَبُ النَّوَابِحُ (?)
وقولُ الحواريِّين: وَاشْهَدْ يحتملُ أنْ يكون خطَاباً لعيسى- عليه السلام-، أي:
اشهد لَنَا عنْدَ اللَّهِ، ويحتملُ أنْ يكونَ خطَاباً لله تعالى كقوله صلّى الله عليه وسلّم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ:
«اللَّهُمَّ، اشهد» ، وقولهم: رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ يريدون: الإنجيل، وآياتِ عيسى، فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ، أي: في عِدَادِ مَنْ شهد بالحَقِّ مِنْ مؤمني الأمم، ثم أخبر تعالى عن بني إسرائيل الكافرِينَ بعيسى- عليه السلام-، فقال: وَمَكَرُوا، يريدُ في تحيُّلهم في قتله بزعمهم فهذا هو مَكْرُهُمْ، فجازاهم اللَّه تعالى بأنْ طرح شَبَهَ عيسى على أحد الحواريِّين في قول الجمهور، أو على يهوديٍّ منهم كَانَ جَاسُوساً، وأعقبَ بَنِي إسرائيل مذلَّةً وهَوَاناً في الدُّنيا والآخرة، فهذه العُقُوبة هي التي سَمَّاها اللَّه تعالى مَكْراً في قوله:
وَمَكَرَ اللَّهُ، وذلك مَهْيَعٌ (?) أنْ تسمَّى العقوبةُ باسم الذنب.
وقوله: وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ: معناه: فاعلُ حقٍّ في ذلك، وذكر أبو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ في «تحبيره» ، قال: سُئِلَ مَيْمُونٌ، أحسبه: ابن مِهْرَانَ (?) عن قولِهِ تعالى:
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ فقال: تخليتُهُ إياهم، مع مَكْرهم هو مَكْرُهُ بهم. اهـ. ونحوه عن الجُنَيْدِ (?) ، قال الفَرَّاء: المَكْرُ من المخْلُوقِ الْخِبُّ والحِيلَة، ومِنَ الإله الاِسْتِدْرَاجُ، قال الله