فإِذا وقع النَّهْيُ عن الطُّعْم، فلا سبيل إِلى وقوع الشُّرْبِ ممَّن يتجنَّب الطعْم، ولهذه المبالغةِ لم يأْتِ الكلامُ: ومَنْ لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ.
ص: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ: استثناءٌ من الجملة الأولى، وهو قوله:
فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي، أيْ: إِلاَّ من اغترف غُرْفة بيَده، دون الكَرْع، / فهو منِّي، 63 أوالاستثناء إِذا تعقَّب جملتين فأكثر، أمكَنَ عَوْده إِلى كلِّ منها، فقيل: يعود على الأخيرة، وقيل: إِلى الجميع (?) .
وقال أبو البقاء: إِنْ شئْتَ، جعلته مِنْ «مَنِ» الأولى، وإِنْ شئْتَ مِنْ «مَنِ» الثانيةِ، وتُعُقِّبَ بأنه لو كان استثناءً من الثانية، وهي: وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي، لَلَزِمَ أنْ يكون: مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً ليس منه لأن الاستثناء من الإِثبات نفيٌ، ومن النفي إِثبات على الصحيح، وليس كذلك لأنه أبيحَ لهم الاغترافُ، والظاهر عوده إِلى الأولى، والجملةُ الثانية مفهومةٌ من الأولى، لأنه حين ذكر أنَّ من شربه، فليس منه، فُهِمَ من ذلك أنَّ مَنْ لم يشرب منه، فإِنه منه. انتهى.
ثم أخبر تعالى أن الأكثر شَرِبَ، وخالَفَ ما أريد منه، روي عن ابن عَبَّاس وغيره أن القوم شَرِبوا على قدر يقينهم، فشرب الكُفَّار شُرْبَ الهيم، وشرب العاصُون دُون ذلك، وانصرف من القوْمِ ستَّة وسبْعُون ألفاً، وبقي بعض المؤمنين، لم يَشْرَبْ شيئاً، وأخذ بعضهم الغُرْفة، فأما مَنْ شرب، فلم يرو، بل برَّح به العطش، وأما من ترك الماء، فَحَسُنَتْ حاله،