في صوته/ جهارة فلما نزلت هذه الآية اهْتَمَّ وخاف على نفسه، وجلس في بيته لم يخرج، وهو كئيب حزين حتى عَرَفَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خبره فبعث إليه، فآنسه، وقال له: «امْشِ في الأَرْضِ بَسْطاً فإنَّكَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» ، وَقَالَ لَهُ مَرَّةً: «أَمَا ترضى أَنْ تَعِيشَ حَمِيداً، وَتَمُوتَ شَهِيداً؟» (?) فعاش كذلك، ثم قُتِلَ شَهِيداً بِاليَمَامَةِ يَوْمَ مُسَيْلَمَةَ.
ت: وحديث ثابت بن قيس وتبشيره بالجنة خَرَّجَهُ البخاريُّ، وكذلك حديث أبي بكر وعمر وارتفاع أصواتهما خَرَّجه البخاريُّ أيضاً، انتهى.
وقوله: كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أي: كحال أحدكم في جفائه، فلا تنادوه باسمه:
يا محمد، يا أحمد قاله ابن عباس وغيره (?) ، فأمرهم اللَّه بتوقيره، وأنْ يدعوه بالنبوَّةِ والرسالة، والكلام اللَّيِّنِ، وكَرِهَ العلماءُ رفعَ الصوت عند قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم وبحضرة العَالِمِ وفي المساجد، وفي هذه كلها آثار قال ابن العربيِّ في «أحكامه» (?) : وحُرْمَةُ النبي صلّى الله عليه وسلّم مَيِّتاً كحرمته حَيًّا، وكلامه المأثور بعد موته في الرِّفْعَةِ مِثْلُ كلامه المسموع من لفظه، فإذا قُرىءَ كلامُه وجب على كل حاضر أَلاَّ يرفعَ صوتَهُ عليه، ولا يُعْرِضَ عنه، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تَلَفُّظِهِ بِه، وقد نَبَّهَ اللَّه تعالى على دوام الحُرْمَةِ المذكورة على مرور الأزمنة بقوله: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف: 204] وكلام النبي صلّى الله عليه وسلّم هو من الوحي، وله من الحُرْمَةِ مِثْلُ ما للقرآن، انتهى.
وقوله تعالى: أَنْ تَحْبَطَ مفعول من أجله، أي: مخافةَ أَنْ تحبطَ، ثم مدح سبحانه الذين يَغُضّون/ أصواتهم عند رسول اللَّه، وغَضُّ الصوت خَفْضُهُ وكَسْرُهُ، وكذلك البصر، ورُوِيَ: أَنَّ أبا بكر وعمر كانا بعد ذلك لا يكلّمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا كأخي السّرار، وأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يحتاج مع عمر بعد ذلك إلى استعادة اللفظ لأَنَّهُ كان لا يسمعه من إخفائه إيّاه (?) ، وامْتَحَنَ معناه: اختبر وطَهَّرَ كما يُمْتَحَنُ الذهبُ بالنار، فَيَسَّرَهَا وهَيَّأها للتقوى، وقال عمر بن الخطاب: امتحنها للتقوى: أذهب عنها الشهوات (?) .