أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (10) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12)
وقوله عز وجل: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ: توقيف لقريش، وتوبيخٌ والَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يريدُ: ثمودَ وقَوْمَ شُعَيْبٍ وغيرهم، والدمار: الإفساد، وهَدْمُ البناء، وإذهابُ العُمْرَانِ، والضميرُ في قوله: أَمْثالُها يَصِحُّ أَنْ يعودَ على العَاقِبَةِ، ويَصِحُّ أَنْ يعود على الفَعْلَةِ التي يتضمَّنها قوله: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
وقوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ... الآية، المَوْلَى: الناصِرُ المُوَالِي، قال قتادة: نزلَتْ هذه/ الآيةُ يَوْمَ أُحُدٍ «1» ، ومنها انتزع النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم رَدَّهُ على أبي سُفْيَانَ حينَ قال: «قُولُوا: اللَّهُ مَوْلاَنَا، وَلاَ مولى لَكُمْ» «2» .
وقوله سبحانه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ أي: أكلاً مجرَّداً عن الفِكْرِ والنظر، وهذا كما تقول: الجاهلُ يعيشُ كما تعيشُ البهيمةُ، والمعنى: يعيشُ عَدِيمَ الفَهْمِ والنَّظَرِ في العَوَاقِبِ.
[سورة محمد (47) : الآيات 13 الى 15]
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (14) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15)
وقوله سبحانه: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ يعني: مَكَّة الَّتِي أَخْرَجَتْكَ معناه: وَقْتَ الهِجْرَةِ، ويقال: إنَّ هذه الآيةَ نزلت إثر خروج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من مكّة،