الإيمَانِ، إن الْبَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ» (?) قال أبو داوُدَ: يعني: التَّقَحُّلَ، وفسر أبو عمر بن عبد البَرِّ: «البَذَاذَةَ» بِرَثِّ الْهَيْئَةِ، ذكر ذلك في «التمهيد» ، وكذلك فَسَّرَهَا غيره، انتهى، وروى ابن المبارك في «رَقَائِقِهِ» من طريق الحسن عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ خَرَجَ في أَصْحَابِهِ إلَى بَقِيعِ الغَرْقَدِ، فَقَالَ: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمُ اللَّهُ مِنْهُ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُم! ثُمَّ أَقْبَلَ على أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: هَؤُلاَءِ خَيْرٌ مِنْكُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إخْوانُنَا، أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا، وَهَاجَرْنَا كَمَا هَاجَرُوا، وَجَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا، وَأَتَوا على آجَالِهِمْ فَمَضَوْا فِيهَا وَبَقِينَا في آجالِنَا، فَمَا يَجْعَلُهُمْ خَيْراً مِنَّا؟! قال: هَؤُلاَءِ خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَأْكُلُوا مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَخَرَجُوا وَأَنا الشَّهِيدُ عَلَيْهِمْ، وإنَّكُمْ قَدْ أَكَلْتُمْ مِنْ أُجُورِكُمْ، وَلاَ أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ مِنْ بَعْدِي؟ قال: فَلَمَّا سَمِعَهَا الْقَوْمُ عَقَلُوهَا وَانْتَفَعُوا بِهَا، وَقَالُوا: إنَّا لَمُحاسَبُونَ بِمَا/ أَصَبْنَا مِنَ الدُّنْيَا، وَإنهُ لَمُنْتَقَصٌ بِهِ مِنْ أُجُورِنَا» (?) انتهى،، ومنها حديثُ ثَوْبَانَ في «سنن أَبي دَاوُدَ» : قال ثَوْبَانُ: كانَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذَا سَافَرَ كَانَ آخِرُ عَهْدِهِ بِإنْسَانٍ مِنْ أَهْلِهِ فَاطِمَةَ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا فَاطِمَةَ، فَقَدِمَ مِنْ غَزَاةٍ، وَقَدْ عَلَّقَتْ مِسْحاً أوْ سِتْراً على بَابِهَا، وَحَلَّتِ الحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ قُلْبَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، فَلَمْ يَدْخُلْ، فَظَنَّتْ أَنَّما مَنَعَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَا رأى فَهَتَكَتِ السِّتْرَ، وَفَكَّتِ القُلْبَيْنِ عَنِ الصَّبِيَّيْنِ وَقَطَعَتْهُمَا عَنْهُمَا، فانطلقا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَبْكِيَانِ، فَأَخَذَهُمَا مِنْهُمَا، وَقَالَ: يَا ثَوْبَانُ، اذهب بِهِمَا إلَى آلِ فُلاَنٍ إنَّ هَؤُلاَءِ أَهْلِي أَكْرَهُ أَنْ يَأْكُلُوا طَيِّبَاتِهِمْ في حَيَاتِهُمْ الدُّنْيَا، يَا ثَوْبَانُ، اشتر لِفَاطِمَةَ قَلاَدَةً مِنْ عَصْبٍ وَسِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ» انتهى (?) ، - ص-: قرأ الجمهور: «أَذْهَبْتُمْ» على الخبر، أي: فيقال لهم: أذهبتم طَيِّبَاتكم، وابن كثير بهمزة بعدها مَدَّة مُطَوَّلَةً، وابن عامر بهمزتين حقّقها ابن ذَكْوَانَ، ولَيَّنَ الثانيةَ هشامٌ وابن كثير في روايةٍ (?) ، والاستفهامُ هنا على معنى التوبيخ والتقريرِ، فهو خبر في المعنى، ولهذا حَسُنَتِ الفاء في قوله: فَالْيَوْمَ، ولو كان استفهاما محضا لما دخلت الفاء، انتهى، وعَذابَ الْهُونِ هو الذي اقترن به هوانٌ، فالهُونُ والهوان بمعنى.