أموراً لم يَبْقَ معه شَكٌّ في أنَّ الله قد منعه منه.
وقوله سبحانه: آسَفُونا معناه: أغضبونا بلاَ خِلاَفٍ.
وقوله: فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً «السلف» : الفارط المُتَقَدِّمُ، أي: جعلناهم متقدِّمين في الهلاك لِيَتَّعِظَ بهم مَنْ بعدهم إلى يوم القيامة، وقال البخاريّ: قال قتادة: مَثَلًا لِلْآخِرِينَ عظة «1» ، انتهى.
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (59)
وقوله سبحانه: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا ... الآية، روي عن ابن عباس وغيره في تفسيرها أَنَّهُ لما نَزَلَتْ: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ [آل عمران: 59] الآية، وكَوْنُ عيسى من غير فَحْلٍ- قالت قريشٌ: ما يريد محمدٌ من ذكر عيسى إلاَّ أَنْ نعبده نَحْنُ كما عَبَدَتِ النصارى عيسى، فهذا كان صدودُهُمْ «2» .
وقوله تعالى: وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ ... هذا ابتداء معنى ثان، وذلك أَنَّهُ لما نزل:
إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء: 98] الآية، قال [ابن] الزِّبَعْرَى ونظراؤه: يا محمد، أآلهتنا خير أم عيسى؟ فنحن نرضى أنْ تكُونَ آلهتنا مع عيسى إذْ هُوَ خَيْرٌ منها، وإذْ قد عُبِدَ، فهو من الحَصَبِ إذَنْ، فقال اللَّه تعالى: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ومغالطةً، ونَسُوا أَنَّ عيسى لم يُعْبَدْ برضاً منه، وقالتْ فرقةٌ: المراد ب هُوَ محمَّد صلّى الله عليه وسلّم وهو قولُ قتادة «3» ، وفي مصحف [أُبَيٍّ] : «خَيْرٌ أم هذا» «4» فالإشارة إلى/ نبيّنا محمّد ع، وقال ابن زيد وغيره: المراد ب هُوَ عيسى «5» ، وهذا هو الراجح، ثم أخبر تعالى عنهم أَنَّهم أهلُ خصامٍ ولَدَدٍ، وأخبر عن عيسى بقوله: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ أي: بالنبوّة والمنزلة العالية.