وقوله: بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ يعني قريشاً حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ، وذلك هو شرع الإسلام، والرسول [هو] محمّد صلّى الله عليه وسلّم ومُبِينٌ أي: يبين لهم الأحكام، والمعنى في الآية: بل أمهلتُ هؤلاءِ وَمَتَّعْتُهُمْ بالنعمة وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ يعني القرآن قالُوا هذا سِحْرٌ.
وَقالُوا يعني قريشا: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ يعني:
من إحدى القريتين، وهما مَكَّةُ والطَّائِفُ، ورجل مَكَّةَ هو الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ في قول ابن عباس وغيره (?) ، وقال مجاهد: هو عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ (?) ، وقيل غير هذا، ورجل الطائف: قال قتادة: هو عُرْوَةُ بْنُ مسعود (?) ، وقيل غير هذا، قال ع (?) : وإنَّما قصدوا إلى من عظم ذكره بالسّنّ، وإلّا فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان أعظمَ من هؤلاء إذ كان المسمى عندهم «الأمين» ، ثم وَبَّخَهُم سبحانه بقوله: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ و «الرحمة» اسم عامٌّ يشمل النُّبُوَّةَ وغيرها، وفي قوله تعالى: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ تزهيدٌ في السعايات، وعون على التّوكّل على الله عز وجل وللَّه دَرُّ القائل: [الرجز]
[كَمْ جَاهِلٍ يَمْلِكُ دورا وقرى ... [وعالم يسكن بيتا بالكرى] (?)
لَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَهُ سُبْحَانَه ... نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ زَالَ المِرَا (?)
وروى ابن المبارك في «رقائقه» بسنده عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قال: «إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً أَرْضَاهُ بِمَا قَسَمَ لَهُ، وَبَارَكَ لَهُ فِيهِ، وَإذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ خَيْراً، لَمْ يُرْضِهِ بِمَا قَسَمَ لَهُ، وَلَمْ يُبَارِكْ لَهُ فِيهِ» (?) انتهى، وسُخْرِيًّا بمعنى التسخير، ولا مدخل لمعنى الهزء في هذه الآية.