قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اللَّهُمَّ، زِدْ أُمَّتِي» ، فَنَزَلَتْ بَعْدَ ذلِكَ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً [البقرة: 245] فقال: «اللَّهُمَّ زِدْ أُمَّتِي» حتى نزلَتْ: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ، قال: «رَضِيتُ يَا رَبِّ» .
وقوله تعالى: قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ من المعلوم أنه ع معصومٌ من العِصْيَانِ، وإنما الخطابُ بالآيةِ لأِمَّتِهِ يَعُمُّهُمْ حكمُهُ، ويحفُّهم وعيدُهُ.
وقوله: فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ هذه صيغةُ أَمْرٍ على جِهَةِ التهْدِيدِ، وهذا في القرآنِ كثيرٌ، و «الظُّلَّة» ما غَشِيَ وعَمَّ كالسَّحَابَةِ وَسَقْفِ البيت، ونحوِه.
[وقوله سبحانه: ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يريد: جميع العالم] .
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18)
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ ... الآية، قال ابن زيد: إن سببَ نزولِها زيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَسَلْمَانُ الفَارِسِيُّ وأبُو ذَرٍّ الغِفَارِيُّ، والإشارةُ إليهم «1» .
ت: سُلَيْمَانُ إنما أسلم بالمدينةِ، فَيَلْزَمُ على هذا التأويلِ أن تكونَ الآيةُ مدنيةً، وقال ابن إسْحَاق: الإشَارةُ بِها إلى عَبْدِ الرحمنِ بْنِ عَوْفٍ، وسَعْدِ بْنِ أبي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، والزُّبَيْرِ، وذَلك أنه لما أسْلم أَبو بَكْرٍ سَمِعُوا ذلك فَجَاؤُوهُ، فقالوا:
أَأَسْلَمْتَ؟ قال: نَعَمْ وذَكَّرَهُمْ باللَّه سبحانه، فآمَنُوا بأجمعهم، فنزلَتْ فيهم هذه الآية، وهي على كلِّ حالٍ عامَّةٌ في الناس إلى يوم القيامة يتناولهم حكمها، والطَّاغُوتَ: كل ما عبد من دون الله.
وقوله سبحانه: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ: كَلاَمٌ عامٌّ في جميع الأقوال، والمَقْصِدُ الثناءُ على هؤلاءِ في نفوذِ بصائرهم، وقوام نَظَرِهِم، حتى إنهم إذا سمعوا قولاً مَيَّزوه واتبعوا أحْسَنه، قال أبو حيَّان «2» : الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ صفةٌ/ ل عِبادِ، وقيلَ: الوَقْفُ على عباد، وَالَّذِينَ مبتدأٌ خبره أُولئِكَ وما بعده، انتهى.