وأشباههم ممَّن كان يُؤْذَى في اللَّه سبحانه، فربَّما سامَحَ بعضُهم بما أراد الكَفَّارُ من القَوْل لِمَا أصابه من تَعْذيبِ الكفرة، فيروى: أنَّ عَمَّار بْنَ ياسِرٍ فعَلَ ذلك «1» ، فاستثناه الله في هذه الآية، وبقيَّة الرخْصَةِ عامَّة في الأمرْ بَعْده، ويروى أن عمَّار بنَ ياسر شكا إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما صُنعَ به مِنَ العذاب، وما سَامَحَ به من القول، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ» قالَ:
أَجدُهُ مُطْمِئَناً بالإِيمَانِ، قَالَ: «فأجِبْهُمْ بِلِسَانِكَ فإِنَّهُ لا يَضُرُّكَ، وإِن عادُوا فَعُدْ» «2» .
وقوله سبحانه: وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً معناه: انبسط إلى الكفر باختياره.
ت: وقد ذكر ع «3» هنا نَبَذاً من مسائل الإكراه، تركت ذلك خشية التطويل، وإذ محلّ بسطها كتب الفقه.
ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (109)
وقوله سبحانه: ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ ... الآية: ذلِكَ إشارةٌ إِلى الغضب، والعَذَاب الذي تُوُعِّدَ به قبل هذه الآية، والضمير في أنهَمَ لَمِنْ شرح بالكُفَرُ صدْراً.
[سورة النحل (16) : الآيات 110 الى 111]
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111)
وقوله سبحانه: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ... الآية: قال ابنُ