ورجاؤه هذا مِنْ جهاتٍ، منها: حُسْن ظَنِّه باللَّه سبحانه في كلِّ حالٍ، ومنها: رؤيا يوسُفَ المتقدِّمة فإِنه كان ينتظرُها، ومنها: ما أخبروهُ عَنْ مَلِكِ مِصْر أنه يدعو له برؤْية ابنه.

وقوله سبحانه: وَتَوَلَّى عَنْهُمْ: أي: زال بوجْهه عنْهم مُلْتَجِئاً إِلى اللَّه: وَقالَ: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ.

قال الحسن: خُصَّت هذه الأمَّة بالاسترجاع ألا ترى إلى قول يعقوب:

يا أَسَفى (?) .

قال ع (?) : والمراد يا أسفَي، لكنْ هذه لُغَةُ مَنْ يردُّ ياء الإِضافة ألفاً نحو:

يا غُلاَما، ويَا أَبَتَا، ولا يبعد أَنْ يجتمع الاسترجاع، ويَا أَسْفَى لهذه الأُمَّة، وليعقوب عليه السلام، وروي أن يعقوبَ عليه السلام/ حَزِنَ حُزْنَ سبعين ثَكْلَى، وأُعطِيَ أَجْرَ مَائَةِ شهيدٍ، وما ساءَ ظَنَّهُ باللَّه قطُّ، رواه الحسن عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (?) ، فَهُوَ كَظِيمٌ بمعنى: كاظِمٍ، كما قال: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران: 134] ووصف يعقوب بذلك، لأنه لم يَشْكُ إِلى أحَدٍ، وإِنما كان يكْمد في نَفْسه، ويُمْسِك همَّه في صَدْره، فكان يكظمه، أي: يردُّه إِلى قلبه.

ت وهذا ينظر إلى قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «القَلْبُ يَحْزَنُ وَالعَيْنُ تَدْمَعُ وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ ما يرضي الرّبّ ... » الحديث، ذكر هذا صلّى الله عليه وسلّم عنْدَ مَوْتِ ولده إِبراهيم (?) ، قال ابن المبارِك في «رقائقه» : أخبرنا مَعْمَرٌ، عن قتادة في قوله تعالى: وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، قَالَ: كَظم على الحُزْنِ، فلم يقُلْ إِلا خَيْراً (?) انتهى، قال ابن العربيِّ في «أحكامه» : وفي الحديث الصحيح عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنَّه قال في ابنه إِبراهيم: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالَقْلَبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يُرْضِي الرَّبَّ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» ، وقال أيضا في الصحيح صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ القَلْبِ، وَإِنَّمَا يُعَذِّبُ بِهَذَا- وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ- أَوْ يَرْحَمُ» (?) انتهى. خرَّجه البخاريُّ وغيره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015