في أسفارها ونحوِ هذا، وأما الذين خَرَقُوا البنين، فاليهود في ذكر عزيز، والنصارى في ذكر المسيحِ، وأما ذاكرو البناتِ، فالعربُ الذين قالوا: الملائكةُ بناتُ اللَّهِ، تعالى اللَّه عن قولهم فكأنَّ الضمير في جَعَلُوا وخَرَقُوا لجميع الكفَّار إذ فَعَلَ بعضُهم هذا، وبعضُهم هذا، وبنحو هذا فسَّر السُّدِّيُّ وابن «1» زَيْد، وقرأ الجمهورُ «2» : «وَخلَقَهُمْ» - بفتح اللام- على معنى: وهو خلقهم، وفي مصحف ابنِ «3» مسعود: «وَهُوَ خَلَقَهُمْ» ، والضمير في خَلَقَهُمْ يَحْتَمِلُ العودَةَ على الجاعلين، ويحتملُها على المجْعُولِينَ، وقرأ السبعة «4» سوى نافعٍ: «وَخَرَقُوا» - بتخفيف الراء- بمعنى اختلقوا وافتروا، وقرأ نافع: «وَخَرَّقُوا» - بتشديد الراء- على المبالغة، وقوله: بِغَيْرِ عِلْمٍ نصٌّ على قُبْح تقحُّم المجهلة، وافتراء الباطل على عمى، وسُبْحانَهُ: معناه: تنزَّه عن وصفهم الفاسدِ المستحيلِ عليه تبارك وتعالى، وبَدِيعُ: بمعنى: مبدع، وأَنَّى: بمعنى: كيف، وأين، فهي استفهام في معنى التوقيفِ والتقريرِ، وهذه الآيةُ ردٌّ على الكفار بقياس الغائِبِ على الشاهد.
وقوله سبحانه: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ لفظٌ عامٌّ لكلِّ ما يجوز أن يدخل تحته، ولا يجوز أن تدخل تحته صفاتُ اللَّهِ تعالى، وكلامُهُ، فليس هو عموماً مخصَّصاً على ما ذهب إليه قوم لأن العموم المخصَّص هو أن يتناول العموم شيئاً، ثم يخرجه التخصيصُ، وهذا لم يتناولْ قطُّ هذه التي ذكرناها، وإنما هذا بمنزلة قَوْلِ الإنسان: قَتَلْتُ كُلَّ فَارِسٍ، وأَفْحَمْتُ كُلَّ خَصْمٍ، فلم يدخلِ القائلُ قطُّ في هذا العمومِ الظاهرِ من لفظه، وأما قوله:
وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فهو عمومٌ على الإطلاق لأنه سبحانه يعلم كلَّ شيء، لا ربَّ غيره، وباقي الآية بيّن.
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)