وقوله سبحانه: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ... الآية: هذه حكايةٌ عما يقالُ لهم بعد قَبْض أرواحهم، واعلم أيها الأخُ أنَّ هذه الآية الكريمةَ ونَحْوَها من الآيِ، وإن كان مساقها في الكُفَّار، فللمؤمن الموقِنِ فيها مُعْتَبَرٌ ومزدَجَر، وقد قيل: إن القبر بحْرُ النداماتِ، وقد روى ابن المبارك في «رقائقه» بسنده، عن أبي هريرة، قَالَ: قَالَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أحد يموت إلا ندم» ، قالوا: وما ندامته، يا رسول الله؟ قال: «إن كان محسنا، ندم ألا يكون ازداد، وإن كَانَ مُسِيئاً، نَدِمَ أَلاَّ يَكُونَ نَزَعَ» (?) . انتهى.

وكَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ: تشبيهاً بالاِنفراد الأول في وقت الخلقة، وخَوَّلْناكُمْ، معناه: أعطيناكم، ووَراءَ ظُهُورِكُمْ: إشارة إلى الدنيا لأنهم يتركون ذلك موجوداً.

وقوله سبحانه: وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ: توقيفٌ على الخطإ في عبادة الأصنام، واعتقادهم أنها تشفع وتُقَرِّب إلى اللَّه زلفى، قال (?) أبو حَيَّان: وَما نَرى: لفظه لفظُ المستقبلِ، وهو حكاية حال. انتهى.

وقرأ نافع (?) والكسائي: «بَيْنَكُمْ» - بالنصب- على أنه ظرْفٌ، والتقدير: لقد تقطَّع الاِتصال والاِرتباطُ بينكم، ونحْوُ هذا، وهذا وجهٌ واضحٌ وعليه فسَّره الناس مجاهد وغيره (?) ، وقرأ باقي السَّبْعة: «بَيْنُكُمْ» - بالرفع-، وقرأ ابن مسعود (?) وغيره: «لقد تقطّع ما بينكم» ، وضَلَّ، معناه: تلف وذهب، وما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ، يريد: دعواهم أنها تشفَعُ، وأنها تشاركُ اللَّه في الألوهيَّة، تعالى اللَّه عن قولهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015